بقلم ✍️ أحمد رفاعي آدم
(روائي وأديب)
تؤكد كثير من كتب التربية وعلم نفس على حقيقة بالغة الأهمية، ألا وهي: (الأطفال هم مرآة المجتمع)، ففيهم يستطيع المجتمع، أي مجتمع، أن يرى كيف يمكن أن تكون عليه صورته مستقبلاً! ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن الأسرة: الأبناء هم مرآة الأسرة، ففيهم ترى الأسرة كيف تكون صورتها في المستقبل!” من هنا نفهم ضرورة وجود سبل ناجحة في تربية أبنائنا وبناتنا.
ونستكمل في هذا المقال حديثنا عن شخصية الطفل العنيد، فنقول وبالله التوفيق..
أحد أهم أسباب تكوين الشخصية العنيدة للطفل هو الأجهزة الإلكترونية، وذلك بأكثر من إتجاه. أولها الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية وبخاصة الألعاب القتالية أو التي يستخدم الطفل فيها أسلحة وينفذ معارك. تخيل معي طفل يقضي ساعة أو ساعتين في لعبة تتطلب منه قتل أعداء أو تفجير أماكن أو سرقة ممتلكات لإنجاز مهمات واجتياز مراحل متقدمة في اللعبة. ماذا نتوقع من سلوكياته الحياتية سوى العدوانية والعناد والتحدي في الكبيرة والصغيرة؟ ناهيك عن الفيديوهات المليئة بمشاهد الغضب والعراك والمقالب والإهانات. كلها آفات ابتُلينا بها ونغصت علينا تربية أبنائنا. إن الهاتف المحمول أو التابليت أو حتى التليفزيون تعتبر كلها وسائل تعلم وبالتالي من الطبيعي أنها تُسهم في إكساب الطفل السلوكيات التي تبني شخصيته. فإذا أردنا أن ننشىء طفلاً سوياً لا يتسم بالعناد أو العدوانية علينا ألا نسمح بقضاء أوقات طويلة مع الأجهزة الإلكترونية، ويا حبذا لو منعنا استعمالها ما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
سببٌ آخر لتكوين الشخصية العنيدة هو تعرض الطفل للعقاب المفرط أو التعنيف. كارثة كبرى أن كثيرًا من الآباء والأمهات تربوا على مبدأ أن الضرب هو خير وسيلة للتهذيب وأن تكسر للبنت ضِلع يطلع لها عشرة إلى غير ذلك من الأمثال الشعبية التي تعكس ثقافة جزء غير قليل من المجتمع. وهي طامة كبرى في رأيي، ببساطة لإنه لو كان الضرب المفرط أو التعنيف المهين هو الحل لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتطبيق ذلك، لكنه صلى الله عليه وسلم ما ضرب خادماً له ولا امرأةً ولا ضرب بيده شيئاً قَطْ كما ورد في الحديث الشريف. بل على العكس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رؤوفاً بالصغير والكبير، رحيماً في تعليمه وتوجيهه، ورحيماً في نصحه وإرشاده، ورحيماً حتى في غضبه وتوبيخه. وصدق الله العظيم حين يصفه صلى الله عليه وسلم في كتابه الكريم: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”. فمن سيرة النبي العطرة نستلهم الأساليب الصحيحة في التربية والتي بلا شك لم تعتمد الضرب المفرط والعقاب المؤلم والتوبيخ المهين وسائل تربوية، بل على العكس صرَّح صلى الله عليه وسلم بضرورة تبني الرفق واللين حيث يقول: “ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع الرفق من شيءٍ إلا شانه”. وهو القائل: “الراحمون يرحمهم الرحمن”. وهل أحدٌ أحق برحمتنا من أبنائنا؟ لا أظن.
ولا تظنوا أن الضرب والعقاب المؤلم يأتي بنتيجة إيجابية؟ حتى لو استجاب الطفل ونفذ ما نطلبه منه بعد عقابه، غالباً ما يكون ذلك من باب الرضوخ المُرغَم، لكن سرعان ما يعود الطفل بعد انقضاء الموقف أكثر عِناداً وربما أكثر كراهيةً لتصرفنا!! كل الدلائل تؤكد على أن العقاب البدني يفقد معناه بعد مراتٍ قليلة من تنفيذه، وهل ننسى الجملة الشهيرة “علقة تفوت ولا حد يموت”؟!
باختصار .. علينا أن نجد حلولاً أخرى لمعاقبة الأبناء عند ارتكاب الخطأ غير الضرب والإهانة حتى لا نولد فيهم مزيداً من العناد والعدوانية والكراهية والفشل .. ولا أستثني نفسي كأب فلستُ أدَّعي أني ملاكٌ يمشي على الأرض، ولكن نحاول التحسن والترفق قدر الإمكان، وإذا سقطنا في خطأٍ لا نيأس بل نسارع إلى التصويب .. أسأل الله أن يهدينا ويوفقنا لأحسن أساليب التربية وأن يملأ قلوبنا رحمةً وشفقةً على أجيالٍ قُدِّرَ لهم أن ينشأوا في وسط عواصف من المشتتات الخطيرة.