بقلم ✍️ د.سحرسالم
(مدير عام اذاعة القناة)
في حياة كل منا نجمة لا تغيب، وشمس لا تأفل، ونبع لا ينضب… إنها الأم، ذلك الكيان الذي اختزل الله فيه معاني الرحمة، ووهبه من نور الجنة ما يضيء دروب الأبناء مهما أظلمت. هي سر الوجود، وسبب الأمل، وصوت الطمأنينة في زحام الحياة.
حين تنظر إلى عينيها، ترى وطنا آمنا يحتضنك دون قيد أو شرط، وفي لمسة يديها، دفء يسري في عروقك كأنك وُلدت من جديد. وحين يعلو صوتها بالدعاء، تفتح لك أبواب السماء، فيكون الخير رفيقك دون أن تدري كيف جاء.. وكيف لا؟ وهي التي كانت لك الأمان حين كنت ضعيفا، والسند حين كنت حائرا، والبوصلة التي تقودك حين تضيع الطرق.
لقد وهبها الله مكانة لا يضاهيها شيء، وجعل رضاها من رضا الرحمن، فقال تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ” (لقمان: 14). وكيف لا؟ وهي التي حملتك ضعفا فوق ضعف، وسقتك من روحها قبل أن تمسكك بيديها؟.
أما رسول الرحمة ﷺ، فقد جعلها في المرتبة الأولى من الحب والبر، حين سأله رجل: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟” قال: “أمك” ثلاث مرات، ثم قال: “أبوك”.
أترى كيف تتكرر الوصية، وكأنها جرسٌ يرنّ في القلوب حتى لا نغفل عن ذلك القلب الذي منح ولم يطلب، وأعطى دون أن ينتظر العطاء؟
إنها المدرسة الأولى، والملاذ الأخير، والركن الذي لا يميل مهما عصفت بك رياح الدنيا. في صمتها حكمة، وفي حديثها شفاء، وفي صبرها جبال من التضحيات لا يشعر بها إلا من فقدها.
وكم من قلب خاوٍ امتلأ حنانا بفضلها! وكم من طفل وجد في أحضانها وطنًا يعوضه عن قسوة العالم!
كم من أم سهرت بجوار طفلها المريض، تكابد الألم بصمتٍ، وترجو أن تتألم بدلاً منه! وكم من أم بكت في الخفاء، كي تبتسم أمام أبنائها، فتكون لهم رمز القوة، وهي تحمل في قلبها أوجاع العالم! وإن غابت، تركت خلفها فراغًا لا يُملأ، وألما لا يُداوى، وشوقا لا ينطفئ.
هي ليست مجرد امرأة… بل وطن، وجنة تمشي على الأرض. فإن أردت السعادة، فاجعلها راضية، وإن أردت البركة، فخذ بيديها إلى حيث الأمان. ففي قلبها دعوة، وفي دعائها استجابة، وفي وجودها حياة… حياة لا تعوّض.
فيا كل من لا تزال أمه على قيد الحياة، تمسّك بها كأنك تتمسك بالحياة ذاتها، فالجنة تحت قدميها، والبركة في دعائها، والطمأنينة في ظلّها. وإن رحلت، فلا تترك قبرها من دعوة، ولا ليلك من دمعة، فالأم لا تغيب، بل تظل روحها تحلق حولك، تفتح لك الأبواب المغلقة، وتضيء لك العتمات. كل عام وكل أم طيبة.