# من أول السطر
الصيام مدرسة إيمانية روحانية خاصة تصحح إعوجاج النفس البشرية وتمنحها فرص وهدايا ربانية سنوية للمراجعة والعودة لرشدها وشحذ الهمم بطاقة إيجابية تمكنها من مواجهة التحديات وكافة الصعوبات وتحقيق رسالة “الإنسان”، بما تحملها الكلمة من ترفق ورحمة وتسامح وهدف في الحياة الدنيا، ابتغاء مرضاة الحليم الغفور الذي لا يغفل ولا ينام.
ويحتل شهر القرآن مكانة خاصة في قلوب كل المسلمين، إذ يأتي حاملاً معه فضائل التفكّر والتعبّد والشكر للرحمن، وتمتد فيه جسور المحبّة والتواصل مع الأهل والأصدقاء.
وفي شهر رمضان المبارك، تصوم الأبدان عن شهواتها المعتادة ويمتنع المسلمون عن الأكل والشرب خلال الفترة الممتدة بين شروق الشمس وغروبها، لكن القلوب المؤمنة تطرب بمردود العمل الصالح، وتنتفض فرحا وبهجة ببشريات الرحمن بالمغفرة والتوبة والعتق من النار، وتنشط الألسن لاهجة بالذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم والاستماع لآيات الذكر الحكيم.
وفي أجواء روحانية مبهجة يأتي رمضان كل عام وسط مشاعر إيمانية جميلة تجمع بين الحنين إلي ذكريات الماضي والتطلع للمستقبل، ولا يعكر صفوها سوي بعض المنغصات الحياتية التي تفنن فى صناعتها شياطين الإنس التي لا تصفد في رمضان، وعلي رأسها تراجع الدعم الأممي للقضايا الإنسانية والأخلاقية والقيمية التي تعلي من شأن “الإنسان” في كل مكان دون النظر لدينه أو طائفته أو أيديولوجيته.
ويأتي رمضان وسط هذه المتغيرات والتحديات التي جلبت الحزن والأنكاد والأوجاع وتتوق النفس لطاقة إيجابية داعمة للتعايش مع هذه الهموم والمنغصات وتصحيح المسار الوجداني والتغلب على الطاقة السلبية ومشاعر اليأس والإحباط..
ومما منحنا هذا العام روحا معنوية تناطح عنان السماء وطاقة إيجابية أثلجت الصدور المكلومة صلابة موقف أرض الكنانة تجاه قضية تهجير الفلسطينيين باعتبارها الهم الأكبر وقضية العرب الأولي ومساعيها لحشد الجهود العربية لدعم الصمود الفلسطيني وجهودها الدؤوبة لوقف إطلاق النار ودعوتها للسلام العادل، وهو ماخفف كثيرا من وطأة الأوجاع، وهذه معان افتقدناها من قبل إبان العديد من التحديات التي واجهت مصرنا الغالية ووطننا العربي الكبير.
كما اجتمعت في أيام الشهر المبارك ذكري يوم الشهيد وذكري العاشر من رمضان ويوم المرأة واحتفالية عيد الأم وهي محطات مهمة تمنحنا المزيد من الأمل والطاقة الإيجابية.
وعلى عكس ما يشكوه البعض من شعور بالخمول والكسل والصداع والتوتر واضطراب النوم تؤكد الأبحاث الحديثة في علم الطاقة أن عبادات وطقوس الشهر الفضيل تطرد الطاقة السلبية وترفع معنويات الصائم وتجدد نشاطه.
وتبقي المعادلة الصعبة في كيفية تجاوز الشعور بالتعب والإصرار علي شحن الطاقة الروحانية خلال رمضان، وتغذية الروح بالعبادات والمنافسة في سباق الخيرات والتمتع ببهجة الطقوس والاحتفالات.
ووفقا لرؤي المتخصصين وعلماء النفس.. فإن الطاقة الإيجابية هي الطاقة التي تنتج عن الأفكار والإحاسيس الإيجابية، وتؤثر بشكل إيجابي على الجسم والذهن، ومن بين أنواع الطاقة الإيجابية:
ـ الطاقة النفسية: التي تنتج عن الأفكار والإحساسات الإيجابية.
ـ الطاقة الجسدية: وهي الطاقة التي تنتج عن ممارسة الرياضة والنشاط البدني.
ـ الطاقة الروحية: وهي الناتجة عن الممارسات الروحية مثل التأمل والصلاة.
وللطاقة الإيجابية آثار في تحسين المزاج، تحسين الصحة الجسدية والنفسية، ودعم العلاقات وتعزيز روح التعاون مع الآخرين.
ويجمع الصيام هذه الفضائل والفوائد في بوتقة واحدة بسياج روحاني متين، ومن بين وسائل زيادة الطاقة الإيجابية استثمار شهر رمضان في ممارسة الرياضة الروحية والبدنية والاسترخاء
والتأمل والتدبر في خلق الله وتتابع الأيام والسنون ومراجعة كشف حساب النفس خلال عام مضي، والتواصل مع الطبيعة والتفكر في جميل صنع الله عز وجل.
كما يرى علماء الطاقة الحيوية أن الإنسان من منظور آخر هو كل شخص لديه سبع مراكز رئيسية للطاقة هذه المراكز تتماشى مع ما نسميه في الطب الحديث بالغدد، وكذلك يوجد حول جسد الشخص هالة محيطة بمراكز الطاقة، هذه تتأثر بالأفكار والمشاعر جيدا حتى أن هناك أجهزة تقوم بقياس هذه الطاقة فقد تم رصد حال بعض المبحوثين قبل الصلاة وتأدية العبادات والطقوس الدينية وبعد الصلاة فكانت النتيجة أن مراكز الطاقة حدث فيها تناغم وأن الهالة المحيطة به أصبحت جيدة ومغايرة.
ولعل أهم دروس شهر رمضان وإلهامه لتحفيز الطاقات الإيجابية هو فهم المغزي الأساسي والمقصود الأسمي للصوم لتنقية النفس، فليس الامتناع عن الأكل والشراب فقط وكافة الشهوات، ولكن أيضا إدراك الفارق بين الصيام والصوم.
فالصيام : هو الامتناع عن الطعام والشراب وباقي المفطرات من الفجر حتى المغرب
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) ولم يقل الصوم..
أما الصوم: فيخص اللسان وليس المعدة، وهو ما عبر عنه قول الحق بالامتناع عن قول الزور سواء في رمضان أو غيره
قال تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
وقد قسم الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله الصيام إلى ثلاث درجات وهي : صوم العموم ويكتفي فيها الشخص بالإمتناع عن الطعام والشراب وشهوة الفرج.
وصوم الخصوص يضاف له إدارة الحواس، فيكف الشخص أذاه عن الناس بجوارحه وكذلك يتجنب الآثام.
والنوع الثالث “صوم خصوص الخصوص” وهو أن يضيف الشخص على كل ما سبق أن يصوم قلبه عن كل شىء قبيح، ويسعد بكل ما هو جميل ونافع لنفسه ولمجتمعه ووطنه.
ومن بين صور الطاقة الإيجابية تعلم إدارة الذات جيدا وألا نسمح لأفكارنا بأن تسوقنا إلى أي شىء سلبي، فإدارة الذات تبدأ من إدارة الأفكار.
فالصيام في المقام الأول تجارة رائجة مع الله وكبح لجماح النفس وتنقية السرائر من الضغائن والأحقاد، وغرس الأمل والتكيف مع الحياة بحلوها ومرها.
ومن صور دعم الطاقة الإيجابية استثمار القوانين الكونية التي وضعها الله في الكون، فهنا علينا أن نستفيد من قانون “الوفرة”، ففي رمضان يضاعف الله الثواب للناس.. فكيف لا وفيه ليلة تساوي 1000 ليلة ألا وهي ليلة القدر فلذلك علينا أن نقدم الخير لأنفسنا وهو بممارسة التفكير الإيجابي والسلوك الإيجابي مع أنفسنا وكذلك نسعى لأن نكثر من الصدقات خاصة في العشر الأواخر وأن نطعم الفقراء وأن نجعل شهر رمضان تجارة رائجة مع الله.
أما سيكولوجية الصوم فتشحن الجسم والروح بطاقة روحية فريدة من نوعها، وفي هذا تقول د .هدى الشيخ استشارى الصحة النفسية، ومؤسس أكاديمية يقين : يعتقد البعض أن صوم شهر رمضان يقلل كفاءة وقدرة الانسان على العمل أو يعمل على زيادة التوتر والقلق والضغط النفسى والحقيقة أن سيكولوجية الصوم عكس ذلك تماما لأن الصوم يعمل على تثبيط الطاقات الأرضية أو الغرائز والشهوات الدنيوية ، وذلك لزيادة تفعيل الطاقات الروحية وشحنها بطاقة نورانية عليا تمتد لكافة أعضاء الجسم المادى والمعنوي، فيستمتع الانسان بالصوم..
وتعمل هذه الطاقات على إحداث توازن النفس والجسد والعقل وإعادة تنظيم وعي الانسان، وأيضا طرد الطاقات السلبية والتخلص من الافكار والمشاعر التى تم اكتسابها طوال العام، فتهدأ النفس والروح ويصل الإنسان لمرحلة السكينة والشفاء بسهولة ويسر عن طريق شحن الجسم بهذه الطاقات النورانية طوال شهر رمضان.
وأكدت أن هذه الطاقة تساعد على نشاط وحيوية الانسان وزيادة كفائته وقدرته على العمل فطاقة رمضان يتم شحنها للعام كله لتساعد الانسان في بلوغ أهدافه بسهولة وأيضا الإقلاع عن العادات السلبية التى يحتاج تغييرها أسرع من أى فترة أخرى، فتهدأ النفس وتستمتع بالطمانينة والسكينة وتتخلص من الأمراض النفسية والجسدية.
وقبل أيام من وداع شهر الخير والبركة هنيئا لمن اغتنم الفرصة الذهبية واستمد من أجوائه الحافلة بالنفحات والعبادات طاقة إيجابية تخلصه من هموم وغيوم شهور السنة الماضية وتجدد نشاطه لما هو قادم من أيام.. والله المستعان.
#