بقلم ✍️ د. آية طارق عبد الهادي
( مُدرس بقسم الإعلام المسموع والمرئي
المعهد الكندي العالى لتكنولوجيا الإعلام )
منذ عقود، كان الآباء يربّون أبناءهم بأساليب متوارثة، مستندين إلى تجاربهم الشخصية وما تلقوه من آبائهم وأجدادهم. لكن الزمن تغيّر، والتطور التكنولوجي السريع فرض نمطا جديدا من الحياة لم يعد فيه الوالدان المصدر الوحيد للمعرفة، بل أصبحت الشاشات المتعددة تحيط بالأطفال وتؤثر في طريقة تفكيرهم وسلوكهم. ومع ظهور مفهوم “الوالدية الرقمية”، بات واضحًا أن التربية التقليدية لم تعد كافية، وأن الآباء بحاجة إلى أساليب جديدة تتماشى مع العصر دون أن تفقد التربية قيمها الأساسية.
فلا يمكن تجاهل التحولات التي أحدثتها التكنولوجيا في حياة الأجيال الجديدة، فقد بات الطفل اليوم محاطًا بست شاشات رئيسية، تشمل الهاتف الذكي، التابلت، الكمبيوتر، التلفزيون، شاشات السيارات، وحتى الساعات الذكية؛ فهذه الشاشات لم تعد مجرد أدوات ترفيه، بل أصبحت مصادر رئيسية للتعلم والتواصل، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين الأهل الذين نشأوا في زمن مختلف، وأبنائهم الذين يعيشون في عالم رقمي متكامل.
فالعديد من الآباء يشعرون بالحيرة والارتباك أمام هذا الواقع الجديد، فهم إما يرفضون التكنولوجيا تمامًا ويحاولون فرض قيود صارمة على أبنائهم، أو يستسلمون لها دون وضع أي ضوابط، مما يؤدي إلى حالة من الفوضى التربوية.
وهنا يأتي دور مفهوم “الوالدية الرقمية”، الذي طرحته الأمم المتحدة كنهج يساعد الأسر على فهم التغييرات التكنولوجية وإدارتها بشكل أكثر وعيا واتزانا.
فالوالدية الرقمية لا تعني السيطرة الكاملة أو العزلة عن التكنولوجيا، بل تعتمد على إيجاد توازن ذكي بين التربية التقليدية والواقع الرقمي الجديد. فبدلا من منع الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية، يصبح من الضروري أن يتعلم الآباء كيفية توجيههم لاستخدامها بشكل إيجابي؛ فالحوار المفتوح بين الأهل والأبناء حول المحتوى الذي يتعرضون له، وتخصيص وقت للشاشات مع الحفاظ على أنشطة الحياة الواقعية، كلها استراتيجيات يمكن أن تقلل من الفجوة بين الأجيال، وتساعد في خلق بيئة تربية أكثر انسجاما مع متطلبات العصر.
فربما كانت مقولة الإمام علي بن أبي طالب: “لا تربوا أبناءكم كما رباكم آباؤكم، فهم خلقوا في زمان ليس زمانكم” أصدق تعبير عن هذا الواقع الجديد؛ فتربية الأطفال لم تعد مجرد نقل لقيم الماضي، بل أصبحت عملية تكاملية تحتاج إلى تفهم لطبيعة العصر دون التخلي عن المبادئ الأساسية. التحدي اليوم ليس في منع التكنولوجيا، بل في توظيفها بشكل يجعلها أداة لبناء جيل واعٍ يستطيع الاستفادة منها دون أن يفقد صلته بجذوره وقيمه الإنسانية.














