بقلم ✍️ شحاته زكريا
(باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية)
ما بين صدمة الأسواق من قرارات ترامب الجمركية وارتباك العواصم الاقتصادية الكبرى تتجه أنظارنا نحن فى القاهرة إلى سؤال أخطر: هل ما زالت قواعد الاقتصاد العالمى تصلح للحكم على ما نراه؟ أم أن لحظة التحوّل قد بدأت بالفعل وتغيرت الأجندة دون أن يوقع أحد على الصفحة الجديدة؟
منذ اندلاع العاصفة التجارية بين واشنطن وبكين انكشفت هشاشة المعادلة التى طالما تغنينا بها: “تحرير التجارة هو طريق النمو”. ما نراه الآن هو العكس تماما فكل دولة تحاول أن تحصّن أسواقها وتبني جدرانا جمركية وتتسلّح بسلاح الدعم الحكومى وتخوض معركة غير معلنة لتحييد الآخر اقتصاديا حتى لو بدا ذلك منافيا لكل ما نادت به منظمة التجارة العالمية لعقود.
مصر كغيرها من دول العالم النامى تقف عند مفترق طرق. ففى ظل هذا المناخ الجديد لم تعد المنافسة عادلة ولم يعد السوق الحر حرا بل صار ميدانا مفتوحًا لتصفيات كبرى بين عمالقة الصناعة والإنتاج. وإذا لم نتحرك سريعا لإعادة تعريف أولوياتنا فإننا سنجد أنفسنا ضحايا لهذا التحوّل لا شركاء فيه.
لدينا فرصة – لكنها ليست مفتوحة – لنفكر بطريقة مختلفة. التحوّلات العالمية تمنحنا هامش حركة أوسع مما كنا نتصور. أمريكا تُعيد تقييم شراكاتها، وأوروبا مشغولة بأزماتها، والصين تبحث عن نوافذ جديدة. فى هذا الفراغ يمكن لمصر أن تتحرك لا كدولة هامشية بل كدولة تعرف كيف تحمى نفسها وتحدد موقعها.
نحتاج إلى مراجعة عاجلة لخريطة وارداتنا وصادراتنا. هناك قطاعات يجب أن تُحمى لا بالخطابات ولكن بالسياسات. وهناك أسواق يجب أن نطرق أبوابها لا بوفود المجاملات بل بمنتج جاد وتسويق محترف وخطة وطنية مدروسة.
ما يحدث الآن ليس مجرد أزمة عابرة بل هو تحوّل فى قواعد اللعبة الاقتصادية. وإذا لم نعد العدة لهذا الواقع الجديد فسوف نصبح ساحة يتصارع فيها الكبار لا لاعبًا مؤثرًا بين صفوفهم.
لقد تعبنا من “رد الفعل” وآن الأوان لأن نكون “صنّاع الفعل”. لدينا قدرات صناعية وزراعية وخدمية لا يجب أن تبقى رهينة للظروف ، بل يجب أن تكون أساسا لاستراتيجية تحرّرنا من التبعية وتمنحنا قدرة على الصمود والمنافسة.ففى لحظة يعاد فيها رسم خرائط النفوذ الاقتصادى لا توجد منطقة رمادية: إما أن تملك خطة، أو تصبح جزءا من خطط الآخرين.