# من أول السطر
من كثرة عجائب وغرائب المشهد الرياضي الملتبس في منظومة الكرة المصرية ، أحيانا تهرب الكلمات ويتوقف القلم عن رصد وتوصيف الحقيقة بكافة أبعادها وتفاصيلها وتداعياتها وتطوراتها.
ولكن يبدو أنه كما هو الحال في دنيا الإقتصاد والسياسة وكافة تفاصيل وأنماط الحياة الاجتماعية فإن المتغيرات الرأسمالية تركت بصماتها أيضا على دنيا الكرة والرياضة، والضحية في هذه المرة الأندية الجماهيرية أو الشعبية التي تعبر عن مختلف محافظات مصر العريقة ..
والقضية ليست مجرد حسابات صماء واستثمارات رياضية “عمياء” لا تبصر سوي الصفقات وتحقيق المزيد من العوائد والأموال.. الحكاية في أبسط صورها ارتبطت بتاريخ وطني مشرف لهذه الأندية التي عايشت فترات من الكفاح والنضال ،وخرجت أجيالا في مدرسة الوطنية والولاء والانتماء وترفع الآن لواء الأمل والتنمية والبناء فلا ينبغي التفريط في كل هذا الأدبيات والمورثات القيمية بكل استهانة واستخفاف!..
ووسط جدل واسع علي مختلف المنصات الرقمية والإعلامية ومراء ومشاحنات ألقت بظلال سلبية وضبابية تعاني الكرة المصرية حالة غير مسبوقة من الإرتباك وعدم وضوح الرؤي في التوصل إلى نظام مقنع للدوري المصري، شكلا ومضمونا وخاصة في قسمه الأول تواكب المستجدات العالمية وتسهم في النهاية في دعم المنتخبات المصرية واكتشاف العناصر والمواهب فائقة التميز في مختلف المراحل السنية.
ووفقا لرؤي المتخصصين والخبراء فإن الدوري المصري يفقتد لغياب العدالة المطلقة بين مختلف الأندية و اللوائح المنظمة والرؤي الاستراتيجية الفاعلة ،ولا يحتاج إلى تطوير فني فحسب ، بل يَحتاج إلى دوري حقيقي ، وكرة قدم تُدار بعقلية إحترافية تُواكب التطورات العالمية المُتسارعة في اللعبة، من حيث التنظيم والبنية التحتية، وتسويق الحقوق، والحوكمة الرشيده، بما يُعيد لهذا الدوري قيمته التنافسية ويضعه على خريطة كرة القدم الحديثة.
وخلال السنوات الأخيرة ظهر جليا مأزق الأندية الشعبية والجماهيرية في ظل المنافسة غير المتكافئة مع أندية الشركات والمؤسسات، وقد وصل حجم معاناة هذه الأندية الشعبية إلي الذروة،وتسببت أزماتها المتتالية في خروجها تباعا من الدوري الممتاز والهبوط بعد فشلهم في إيجاد حلول عملية للمشكلات المادية المتفاقمة ،ومن ثم القدرة علي الصمود ومنافسة الأندية الإستثمارية في تجديد عقود اللاعبين المتميزين وعقد صفقات جديدة.
ومع مرور السنوات جاء الحصاد مرا ومؤلما ،فقد وصل عدد الناجين من هذه المقصلة لأقل من عدد إصبع اليد الواحدة،و بالتحديد أربعة فرق هي: الإسماعيلي والمصري والاتحاد والمحلة ،علاوة علي الكبيرين الاهلي والزمالك.. أي بنسبة ثلث فرق الدوري الـ 18، وهو مؤشر خطير ينبغي التوقف عنده.
ومما يدعونا أحيانا للاسف والحيرة والتساؤل أن هذا التراجع ليس وليد اللحظة، وبدا الأمر وكأنه مخطط لتصفية وتجريف هذه الأندية لصالح من يمتلكون الأموال والإمكانيات والمقدرات!.
عفوا.. لا عزاء لجماهير كرة القدم العريضة التي اختفت من مدرجات الكرة إلا في بعض المباريات المهمة ،حيث كانت تزين مختلف الملاعب وتضفي أجواء احتفالية من البهجة والسرور والمتعة والإثارة ،أثناء متابعة لقاءات فرقها، وتتجمع الأسر وأبنائها لمشاهدة المباريات سواء في الإستاد أو في البيوت في إطار من التشجيع والمؤازرة والمنافسة الشريفة.
ومع هذا الزحف الرأسمالي والتراجع لإدراك قيمة الأندية الشعبية ،هناك جدل واسع في الشارع المصري حول تقييم بطولة الدوري في صورتها الراهنة ما بين مجموعتي المنافسة علي التتويج وتفادي الهبوط..
ويبدو أن للتجربة إيجابيات وسلبيات أتصور ضرورة دراستها والاستفادة منها بصورة موضوعية وإدراك خطورة الحقائق السالف ذكرها علي مستقبل الكرة المصرية قبل فوات الأوان!.
وبالنظر لمسابقة الدوري قبل جولتين من نهايتها، يتذيل ناديا الإسماعيلي والمحلة قاع الجدول وفي طريقهما لوداع مسابقة الدوري الممتاز إلي غياهب جدول المحترفين مع صعود ناديان أو اكثر في الأغلب من أندية الشركات مما يزيد من قتامة المشهد!.
وبشغف شديد تتطلع جماهير الأندية الجماهيرية لاجتماع اتحاد الكرة برئاسة هاني أبوريدة مع رؤساء الأندية لمناقشة شكل بطولة الدوري في الموسم الجديد بعد غدا الثلاثاء 20 مايو،
كما تتطلع لنتائج الخطوة الإستباقية لرابطة الأندية ونتائج اجتماعها مع رؤساء الأندية اليوم الأحد 18 مايو من أجل مناقشة الأمر نفسه.
ورغم ضآلة فرص بقاء الناديين العريقين الاسماعيلي والمحلة، يتمسك عشاق الفريقين بأمل أخير خارج الملعب، يتمثل في احتمالية اتخاذ قرار بإلغاء الهبوط هذا الموسم، في ظل الحديث المتزايد عن إعادة النظر في شكل المسابقة ومناقشة ملامح الموسم الجديد، وتوقعات بأن تُطرح قضية الهبوط ضمن جدول المناقشات.
وهناك مطالبات من الأندية المضارة من شكل المسابقة هذا العام حول ضرورة التوافق حول إلغاء الهبوط هذا العام خاصة مع اتجاه اتحاد الكرة ورابطة الأندية لزيادة عدد فرق الدوري .
وقد يكون القرار حلا للخروح من الأزمات لكنه يصطدم بالرأي القانوني واللوائح المنظمة والتي تنص علي أنه لا يجوز قانونا إلغاء الهبوط فى مُسابقة دورى كرة القدم خلال الموسم أو بعد إنتهائه ، إذا لم يكن هذا الخيار واردا بوضوح في اللائحة التنظيمية للبطولة المُعتمدة قبل إنطلاق المسابقة ، وذلك للعديد من الأسباب القانونية منها: الإلتزام بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة التنافسية.
كما أن اللائحة المعتمدة مُلزمة ، حيثُ تنص المادة (82) من لوائح الفيفا الانضباطية على أنه ( لا يجوز تعديل لوائح المسابقة بعد إنطلاقها، إلا إذا كان ذلك لأسباب قهرية، وبموافقة جميع الأطراف المعنية، وبما لا يُخل بمبدأ النزاهة ) ، وكذلك المادة (4.1) من دليل الاتحاد الدولي للأندية المُحترفة ، والتى تنص على أنه ( يُشترط أن تُعتمد لوائح البطولة بالكامل قبل بداية الموسم، وأن تُحترم طوال مدته)..
وللحفاظ علي حظوظ الأندية الجماهيرية وسط هذه المنافسة الشرسة و للخروج من هوة هذا النفق السحيق أقترح التفكير جليا في دوري المجموعتين من عشرين فريقا أو أكثر، مع الإلتزام بنسبة لا تقل 50% من فرق الأندية الجماهيرية ،حيث تضم مجموعة الأندية الجماهيرية 10 فرق أو أكثر ومجموعة أخري بنفس العدد من أندية الشركات،ويتم تصعيد الفرق الثلاثة الأولي في دورة من جولتين بنظام الذهاب والإياب لتحديد البطل وفرق المربع الذهبي، علي أن يهبط ناديان من كل مجموعة ويصعد إثنان من دوري المحترفين.
والافكار في هذا الشأن لا تنضب والأهم التوافق على حتمية الخروج من هذا العبث الرياضي وتصحيح المسار وتحقيق العدالة النسبية في إطار رصين من المواءمة الإجتماعية والوطنية.
وهناك مطالبات بضرورة وضع استراتيجية وطنية تشرف عليها وزارة الشباب وإتحاد الكرة لإنقاذ الأندية الجماهيرية والشعبية وتشجيع فكرة دمجها مع أندية استثمارية أو تطوير حقوق الرعاية التمويل.
وأيضا يقترح البعض تقديم قروض ميسرة للفرق الكبري المتعثرة للخروج من أزماتها، وفك القيد وعقد صفقات جديدة.
وعلي المستوي الشعبي هناك مقترحات بفتح أبواب التبرعات والإكتتاب الشعبي لدعم الأندية الجماهيرية ،كما حظيت دعوات مشابهة في مدينة الإسماعيلية بالتأييد لتجاوز هذه المرحلة الصعبة قبل الذهاب للهاوية ،ويحل الصمت بديلا للصراخ وكثرة الشكاوي والمطالبات لأبناء المدينة الصفراء التي بدت نكباتها وكأنها تستعد لالتهام تاريخ بأكمله، لا مجرد موسم عابر!
أتصور أن لكافة مؤسسات الدولة دورا فعالا لتجاوز هذه المحنة وكافة تحديات الرياضة والكرة المصرية والتوصل لحلول ومقاربات وأطروحات تحقق العدالة وترضي جميع الأطراف حتي لا يخفت صوت الحق وتعلو أراجيف الباطل.. والله المستعان.