ويتجدد اللقاء مع المعين الصافي لإبداعات وإطلالات أدباء ومواهب أبناء أرض الكنانة..ومعا نبني جسور الأمل والحياة..
وعبر هذه السطور تنشر بوابة الجمهورية والمساء قصة قصيرة للأديب الروائي محمد كسبه وسمت بعنوان: “هذه قصتي”.
🍂
هذه قصتي
جف نهر الإبداع ، ظللتُ أبحثُ عن فكرة جديدة ، تجولت في أروقة قصصي و أشعاري القديمة ، بين حنايا الذاكرة شغف يريد المزيد ، هناك فراغ مازالت الذاكرة تتسع ، فجأة قفز الخيال يريد السيطرة و الهيمنة على الواقع ليكون هو المحرك الأول للإبداع ، ما بين الذاكرة و الخيال دار صراع .
على الفور ظهرت الذاكرة كضوء خافت ، و في الظلام ظهر الماضي مد يده إليَّ و قال بصوت جميل : هنا كل ما تريد ، كل الأشياء الجميلة و المواقف التي تشتاق إليها ، الماضي له حنين لا ينتهي .
أنا : لكن الماضي لا يعود .
الماضي رد قائلا : الماضي موجود في كل وقت و في كل حين أنا حاضر معك في ذهنك ، و أسمعك جيدا حين تتحدث إلى نفسك أو إلى رفاقك ، دائما تذكرني و تستعيد ذكرياتك مع الأشخاص و الأماكن لتصنع حاضرا مشرفا و تتباهى بما قلت و بما فعلت في الماضي ، أنا أشرفك دائما و أنصفك على الآخرين .
أنا : لكن أيها الماضي ، أنت لست جميلا في كل الأحوال ، فهناك مواقف سيئة و أخرى حزينة ، حين أتذكرها أشعر بالسوء .
قال الماضي : يا صديقي الماضي عِبَر و دروس نتعلم منها ، لكي لا نكرر نفس الخطأ أنا مدرسة و أنت تعلمت منها ، و هذا وحده يكفي أن يُقوم سلوكك و يجعلك جميلا ، أما بالنسبة للذكريات الحزينة ، فالألم قد يكون بسببك أنت ، نتيجة تصرفك الخاطيء ، أو قد يكون قدرا ، من يستطيع في الدنيا أن يغير القدر ، لا أحد ، ألا ترى يا هذا أني مزيج من الألم و السعادة ، يا عزيزي الماضي حياة كاملة لا يمكن الهروب منها .
أنا : أنا لا أهرب و أعلم أنك أيها الماضي صادق و لا تتبدل و لا تتغير فأنت ماضي ، و أنا أريد أن أكتب قصة جديدة قصة مختلفة ، عذرا سأحاول أن أعطي الفرصة للخيال .
نظر إليَّ الماضي بغضب و قال : من ليس له ماضي ليس له مستقبل .
على الفور انتبه الخيال و ابتسم إبتسامة عريضة و قال تعالَ يا صديقي الجميل ، أنا الإلهام أنا الإبداع ، أنا استطيع أن أمنحك الكثير ، فقط عليك أن تحدد هدفك و اترك لي المجال كي أمنحك قصة مختلفة مثيرة ، هيا ابدا الآن ، فكر في الخيال و انسى الماضي العقيم .
رد الماضي بغضب و قال : الماضي ليس عقيما أيها الخيال ، فلا يوجد شيء في الواقع إلا و له ماضي ، أنا الأساس و أنت مجرد فكرة اتسعت و تعدت حدود الواقع و لا أحد يعلم أيها الخيال إن كنت صادقا أم كاذبا ، ثم إن كل ما تصنعه سيصبح بسرعة ماضي ، أنا الأقوى أنا المسيطر مهما فعلت ساحتويك لتصبح جزءا مني أيها الأحمق .
انزعج الخيال ورد سريعا : اصمت أيها الماضي البسيط ، أنا متجدد دائما و مبدع و ليس لديَ حدود أنا الخيال ، أنا أجتاز كل الحدود أنا أصل لعنان السماء و لأعماق البحار ، أما أنت يحدك الزمان و المكان .
بدأت الأصوات تتعالى و الصراع يحتد و كل منهم يريد أن يكون هو المسيطر على التفكير ، بسرعة ظهر الوهم و اصطحب الشك و القلق ، وكل منهم بدأ يثبت حضوره و دوره في كتابة القصة ، تشتت التفكير ، و كلما حاولت أن أكتب من جديد وجدت نفسي أفتش في الماضي فأجده ينظر إليَّ و يبتسم ، نظرت للخيال و قلت هيا انطلق فوقف متجمدا وقال : أنا لا انطلق وحدي عليك أن تحدد هدفك أولا كي أعرف الإتجاه .
ابتسمت للماضي ونظرت للخيال وقلت لا إبداع بدون ماضي فالماضي هو البذرة والخيال هو الثمرة فلا ثمرة بدون بذرة ،ولا بذرة بدون ثمرة أنتما معا محور التفكير و الإبداع شكرا لكما هذه قصتي .