الجريمة هي الجريمة، لايمكن تصنيفها أو تفضيل واستحسان بعضها لمجرد أنها أخف وطأة من غيرها، لكن هذا لايمنع أن هناك نوعية من الجرائم تترك تأثيراً كبيراً في نفوس الناس ومن ثم تحتاج الى التأمل والبحث والدراسة ليس للوقوف على الدوافع فحسب ولكن لقياس مردودها السلبي على المجتمع.
وشهدت مصر الأسبوع الماضي جريمتين من هذه النوعية .. الأولى هزت المجتمع بأثره وظهر ذلك من رد الفعل الغاضب على وسائل التواصل الإجتماعي، حيث قام شخص من الإسماعيلية بذبح آخر وفصل رأسه تماماً والسير بها بين الناس على طريقة أفلام الرعب أو السلوك الشاذ الذي تفعله التنظيمات الإرهابية وتتباهى وتفاخر بالقتل والذبح والحرق.
وبصرف النظر عن الدوافع أو ملابسات القضية ومحاولة البعض أن يسوقوا مبررات لتلك الجريمة البشعة، فإننا في دولة قانون ولايجوز تحت أي مبرر أن يأخذ شخص حقه بيديه ــ إن كان له حق ــ وإلا صارت فوضى مدمرة وساد قانون الغاب.
وبصرف النظر أيضاً عما انتهت إليه التحقيقات، فإن أخطر ما جاء فيها أن المتهم خرج منذ أسبوعين من إحدى المصحات النفسية التي تلقى فيها العلاج من ادمان مخدر “الأستروكس” و”الشابو” فضلاً عن شعوره المرضي بالإضطهاد، وهو مايطرح العديد من الأسئلة أو الملاحظات حول طبيعة العلاج في تلك المصحات ومعظمها “قطاع خاص”.
أولاً: هل هناك اجراءات معينة تتم بمعرفة جهة رسمية للدخول والخروج من هذه المصحات، أم أن أي شخص يمكنه دخولها لبعض الوقت والخروج حسب رغبته أو رغبة أسرته وليس عقب شفائه التام؟!
ثانياً: لماذا لاتتم متابعة النزيل بعد الخروج من المصحة، ووضع قيود على تحركاته حتى لايؤذي غيره من عباد الله، مثلما نرى في شوارعنا ممن يطلق عليهم “مجاذيب” بالمعنى الدارج وليس المعروف عند أهل الصوفية؟!
ثالثاً: هل هناك إشراف أو رقابة على تلك المصحات للتأكد من سلامة البرامج العلاجية وأنها ليست مجرد أماكن للإستجمام، لضمان عدم خروج أي نزيل إلا بعد الشفاء التام، حتى لايدفع المجتمع ثمن دحولهم وخروجهم العشوائي؟!
***
الواقعة الثانية تبدو من حيث الشكل مثل غيرها من الحوادث، فالمال كان الدافع الرئيس للجريمة، لكن التفاصيل يشيب لها الولدان حيث واجه المتهمون العطف والإحسان بالإساءة والقتل والإغتصاب، وهو ما يبعث برسالة سلبية للمجتمع حول فعل الخير ومساعدة المحتاجين.
بطلة الواقعة سيدة ثرية لم يرزقها الله بالأولاد وعوضها عن ذلك بالمال الوفير، فقررت أن تهب وقتها وثروتها للمحتاجين خاصة بعد رحيل زوجها وانتقالها للإقامة مع والدها المسن.. كانت تجد راحتها وعوضها في التخفيف عن المحتاجين.. لكن القدر ساق لها شيطانتين في صورة نساء.
لم تصدق “سامية” و”سميرة” هذا العطاء الكبير من تلك السيدة وبدلاً من مقابلة هذا العطف بالشكر، أسرعتا لإخبار زوجيهما لوضع خطة محكمة لسرقتها، وهو ماحدث بالفعل حيث لم يضع الزوجان “المجرمان” الفرصة وقاما بزيارة للسيدة بحجة طلب المساعدة، وبمجرد فتح الباب اقتحما المنزل بالقوة.
وزيادة في الخسة والندالة لعب الشيطان برأس أحدهما فقام باغتصابها ثم قتلها أمام والدها الذي كان يتوسل لهما ليأخذوا كل شيء ويتركوها في سلام لكن سرعان ماتم اسكاته هو الآخر الى الأبد ليلقى مصير ابنته ثم استوليا على الأموال والمجوهرات.
القضية هي الأخرى مازالت في مرحلة التقاضي حيث تم إحالة المتهمين للمحاكمة لينالوا القصاص العادل، لكنها تدق أيضاً ــ مع جريمة الإسماعيلية ــ ناقوس الخطر حول ظهور نمط جديد من الجرائم يرتكبه “شياطين الإنس” ويحتاج الى الدراسة المستفيضة والعلاج المجتمعي على المدى القريب والبعيد.
أيمن عبد الجواد