بقلم ✍️ د.لمياء محسن
( دكتوراه الإذاعة والتليفزيون ،كلية الإعلام جامعة القاهرة)
هل كلما انفجر رأس جبل الجليد، نغلق البحر؟
هل كلما انفضح وجه من وجوه الأزمة، أغلقنا النافذة وظننا أن العاصفة انتهت؟.
تبدو دعوات إغلاق “تيك توك” في ظاهرها رد فعل غاضب، وربما مبرر، أمام طوفان من المحتوى الفارغ أو المستفز أو المخالف لقيم المجتمع. لكن، هل المنع وحده يربّي؟ هل الحجب يُصلح ما أفسده الإهمال الطويل؟. هل الغلق وحده قادر على إعادة تشكيل وعي أمة بأكملها؟.
في الحقيقة، ما نراه اليوم من مشاهد صادمة لبعض “التيكتوكرز” الذين تجاوزوا كل الخطوط، ليس صدمة مفاجئة… بل نتيجة منطقية لمسار طويل من التغافل المجتمعي. هؤلاء ليسوا الاستثناء، بل هم مجرد عيّنة علنية من منظومة أعمق، تفرز أمثالهم كل يوم في صمت.
نحن لم نفاجأ، لكننا فقط تأخرنا في النظر إلى الجذور.
إن المشكلة ليست في “تيك توك”، فهو مجرد منصة. بل فيما نحمله نحن إليه.
في الأفكار التي نغرسها، في نماذج النجاح التي نروّج لها، في القيم التي نغيب عنها في البيت، في المدرسة، في الإعلام، وحتى في الخطاب الديني.
هل سألنا أنفسنا: من يربّي هؤلاء؟
هل علّمناهم يوما أن النجاح لا يعني الشهرة، وأن الكرامة لا تُشترى بالمشاهدات؟.
هل وفّرنا لهم نشاطا ثقافيًا حقيقيا؟ مدرسة تُعلّم التفكير؟ قدوة حقيقية في الإعلام؟ مشروعًا يبني أحلامهم لا يسحقها؟.
هل جلسنا معهم كآباء وأمهات لنتحدث عن القيم، عن الحدود، عن الإنسان؟.
ثم حين يُخطئون – وهم حتمًا سيخطئون – هل وفرنا بيئة قانونية عادلة، وعقوبات تربوية تعيد التوجيه لا تقطع الطريق؟ هل السجن وحده يكفي؟ وهل الحبس دون تأهيل، سوى وسيلة لتضييع المزيد من الوقت؟.
نحن بحاجة لاعتراف شجاع:
المشكلة ليست فيهم فقط.. المشكلة فينا جميعا.
في مؤسسات لا تتكامل، وفي مجتمع لم يعد يعرف كيف يربي أبناءه، ولا كيف يتحدث إليهم.
،لكن لعلها البداية لتصحيح المسار.
أغلقوا تيك توك … ليكن!
لكن من يغلق العطب فينا؟ من يسدّ فجوة التربية؟ من يرمّم فراغ القدوة؟
لن ينقذنا حذف تطبيق، ولا يسكت الصخب صمت مؤقت.
المشكلة ليست في الشاشة التي عرضت، بل في اليد التي أمسكت بالهاتف، والعقل الذي صدّق، والقلب الذي فرّغناه من كل قيمة.
إذا أغلقنا “تيك توك”، سيظهر تطبيق آخر، وربما ألف.
المنصة تتغير، لكن المحتوى سينفجر من جديد إذا لم نُصلح المنبع.
الحل لا يأتي من الأعلى، بل من الأسفل. من البيت، من الحضانة، من المدرسة، من المسجد، من الكنيسة، من المدرّس الذي يعامل طلابه باحترام، ومن فنان يحمل رسالة، ومن إعلام يُعلّم لا يستهلك.
الحل في التربية، والتعليم الحقيقي، وإحياء مراكز الثقافة، وتمكين التفكير النقدي، وتقديم القدوة التي تشبههم، لكن تُلهمهم نحو مستقبل مشرق.
الحل ألا يرى الطفل أن الثراء يأتي من فضيحة، وأن التأثير يعني الرقص على الهاوية.
لسنا ضد الحزم.
لكن الحزم بلا رؤية هو أقرب للعقاب العشوائي منه إلى الإصلاح.
فلنكن واضحين مع أنفسنا:
إذا أردنا أن نوقف المستنقع، لا يكفي أن نحبس من يسقط فيه.
علينا أن نجففه من الجذور.














