بقلم ✍️ د.محمد يحيى
( كاتب و مدرس الميكروبيولوجيا و المناعة كلية الصيدلة جامعة السادات)
بينما ترتبط الأبحاث العلمية في أذهان البعض بالجامعات ومراكز الأبحاث فقط، فإن هناك نوع آخر من الأبحاث يجري في أماكن أخرى بعيدا عن المؤسسات الاكاديمية وهو نوع بالغ الأهمية وعظيم التأثير أيضا. هذا النوع من الأبحاث يتم إجراؤه في معامل البحث والتطوير في الشركات بهدف إنتاج وتطوير المنتجات والحصول على براءات اختراع جديدة تجعل منتجات الشركات تقتحم الأسواق بتنافسية عالية وخصائص جديدة متميزة.
فمن منا لا يتابع الطرازات الجديدة التي تتوالى من السيارات والهواتف الجوالة على سبيل المثال، ومن منا لا يلمح تلك الميزات الهائلة والابتكارات الجديدة التي تأتي مع تلك الطرازات، ومن منا لا ينبهر إزاء هذا الابداع والتحسين المستمر. كذلك من منا لم يسمع عن الأدوية الجديدة التي تُكتشف وتنزل إلى الأسواق ومنها ما يحقق انجازات هائلة في علاج امراض طالما كانت مستعصية.
هذه الابتكارات والانجازات يتم تطويرها في الغالب في معامل أبحاث الشركات الكبيرة وبميزانيات بالغة الضخامة.
ويكفي أن ننظر إلى حجم إنفاق الشركات على البحث العلمي والتطوير لندرك أهمية هذه الأبحاث، ففي عام 2023 تخطى إنفاق الشركات عالميا في هذا المجال تريليون وربع التريليون من اليوروهات.
ونجد أن حصة نفقات الشركات قد تخطت ثلثي إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في الاتحاد الأوروربي على سبيل المثال.
وبينما تلعب الأبحاث الصناعية دورا مهما في الصناعات عموما، نجد أنها بإزاء الصناعات المتقدمة تمثل الشريان الرئيسي المغذي الذي لا غنى عنه ولا فكاك من الاعتماد عليه والاستثمار فيه ،فتصنيف الصناعات يميز بين الصناعات عالية التكنولوجيا و تلك ذات التكنولوجيا المتوسطة وأيضا الصناعات المنخفضة التكنولوجيا.
وطبقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نجد أن الصناعات المتقدمة التي تضم النوعين الأوليين تكاد تتنفس أبحاث التطوير وتعتمد اعتمادا رئيسيا عليها.
هذه الصناعات المتقدمة تضم القطاعات الحيوية الحديثة مثل صناعات الإلكترونيات والدواء و الطيران والفضاء والحواسيب الإلكترونية وغيرها من الصناعات التي تشكل عصب الحياة الحديثة.
وفي هذه الصناعات المتقدمة يمثل الابتكار والتطوير الطريق الرئيسي نحو جني الأرباح الهائلة و النمو بينما ينذر التأخر في هذا المضمار بالخسارة الكبيرة أمام المنافسين بل و ربما بالخروج من الأسواق.
وهكذا فبينما تمثل الجامعات ومراكز الأبحاث الحواضن الرئيسية للبحث العلمي و الاكتشافات والإضافة الى رصيد البشرية من العلوم و المعارف، فإن معامل الأبحاث بالشركات تنضم إليها في تكامل و تناغم لتنستفيد من مخرجات الأبحاث في الصناعة وتضيف إلى سجل براءات الاختراع وتطوير المنتجات.
وليمثل كلا الطرفين قاطرتين تسيران معا جنبا إلى جنب، وتتعاونان سويا في دفع مسيرة البشرية نحو التقدم والإبداع والابتكار.














