رغم ما تمتلكه مدينة بورسعيد من موقع استراتيجي فريد على مفترق البحر المتوسط وقناة السويس، وتاريخ حافل بالبطولات والتجارة، وتراث ثقافي غني بالسمسمية والحكايات البحرية، إلا أن حضورها السياحي ما زال موسميًا وخجولًا، حيث تنتعش في الصيف والأعياد ثم تخفت الحركة معظم أشهر العام.
فنادق نصف ممتلئة وسفن عابرة
في أحد فنادق المدينة المطلة على البحر، يقول موظف الاستقبال بابتسامة صريحة: “إحنا بنملى في العيد والصيف، وباقي السنة بنعتمد على مؤتمرات صغيرة أو زوار عمل”.
أما السفن السياحية التي ترسو بالميناء، فهي تمر سريعًا، حيث ينزل ركابها في جولات محدودة للسوق الحرة أو متحف بورسعيد، ثم يغادرون قبل غروب الشمس، دون برامج متكاملة تحفزهم على المبيت أو اكتشاف أسرار المدينة.
دعوة لإحياء السياحة التاريخية
المؤرخ محمد بيوض يؤكد أهمية إضافة عناصر سياحية جديدة، وعلى رأسها السياحة التاريخية والوطنية، مثل تطوير حديقة فريال التي شهدت افتتاح قناة السويس عام 1869، وإبراز مواقع البطولات في حي الشرق إبان العدوان الثلاثي عام 1956، ومنها عملية اختطاف الضابط البريطاني “مورهاوس” واغتيال ضابط المخابرات “ويليامز” على يد الشهيد الصغير السيد عسران.
ويقترح بيوض عرض لنش الصواريخ الذي أغرق الفرقاطة الإسرائيلية “إيلات” عام 1967 في ساحة مصر، وتطوير فنار بورسعيد القديم وفتحه أمام السياح لمشاهدة بانوراما القناة.
رؤية متكاملة للسياحة
منير حمود، مؤسس مبادرة “سياحة اليوم الواحد”، يرى أن المدينة تمتلك كل المقومات، لكنها تحتاج إلى رؤية متكاملة تشمل التدريب المهني للعاملين، حملات تسويق قوية، فتح أسواق جديدة، وتنمية المناطق السياحية، مع زيادة الطاقة الفندقية، وتطوير البنية الأساسية، والحفاظ على البيئة والآثار.
ويشدد على ضرورة أن يصبح المجتمع المحلي بيئة جاذبة للسياحة، عبر نشر ثقافة الضيافة والاستقرار والتسامح، مؤكدًا: “معًا نستطيع أن نفعل المستحيل”.
تراث حي العرب.. فرصة ضائعة
في حي العرب، حيث المباني التراثية من عصر الاحتلال البريطاني، يقول الحاج عماد العربي، صاحب مقهى عمره 70 عامًا: “كل حجر هنا له قصة، لكن لا أحد يرويها للسائحين”.
ويطالب نصر منصور، تاجر ومستورد، برفع كفاءة البنية التحتية، وتطوير الأرصفة والإضاءة، والحفاظ على الهوية البصرية، مع مراعاة مصالح أصحاب المحلات والبائعين.
في حين يشدد أشرف توفيق على أهمية التأهيل البشري ووضع برامج سياحية احترافية، ويقترح سعيد السمان إزالة عشوائيات الشاطئ وإنشاء كورنيش عالمي.
مشروعات معطلة ونافورة مهملة
كابتن محمود سرور يقترح نقل محطة القطار قبل الكوبري العائم، وإزالة الحواجز الحديدية، وتطوير محيط النافورة الراقصة في حي الضواحي وتحويله لمنطقة سياحية وترفيهية منظمة، بدلًا من تركه في الظلام والإهمال.
الكورنيش الجديد.. خطوة ناقصة
رغم أن الكورنيش الجديد أضاف لمسة حضارية، إلا أنه يفتقر لفعاليات ليلية وأسواق منظمة وعروض فنية شعبية، ما يجعل الزائر يغادر سريعًا
فرص في الصيد والسياحة البيئية
المدينة محاطة ببحيرات غنية مثل المنزلة والمرة، وهي من أهم مسارات هجرة الطيور في العالم، لكن الاستثمار في الصيد السياحي أو رحلات مراقبة الطيور ما زال محدودًا للغاية.
ختام
بورسعيد تملك كل عناصر المدينة السياحية العالمية: البحر، التاريخ، التجارة، الثقافة، والأسواق الحرة. لكن غياب التخطيط المتكامل والاكتفاء بالموسمية جعلها “مدينة تفتح في الصيف وتغلق باقي العام”. النهوض بها يتطلب إرادة حقيقية، واستثمارًا ذكيًا، وشراكة بين الدولة والمجتمع، حتى تعود لصدارة المشهد السياحي. وتراوحت المقترحات بين إنشاء فنادق متوسطة التكلفة، مدينة ملاهي للأطفال، بانوراما حفر القناة بتقنية الصوت والضوء، مهرجانات ومعارض كبرى، شاليهات بأسعار مناسبة، وحتى استقدام خبراء تسويق محترفين يضعون بورسعيد في موقعها المستحق سياحيًا














