صرّح الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لشباب الأعمال سابقًا، محمد قاعود، بأن جمهورية مصر العربية كانت من أوائل الدول التي بادرت بإصدار تشريع لحماية الملكية الفكرية، والتي تُعد من أبرز الأصول غير الملموسة، وذلك في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد خضع هذا التشريع لسلسلة من التعديلات في أربعينيات القرن ذاته، ثم أعيد النظر فيه عقب ثورة يوليو عام 1952، وصولًا إلى تعديلات جوهرية في عام 1995، وأخرى في عام 2002.
واعتبر قاعود أن مبادرة الهيئة العامة للرقابة المالية لتنظيم عمليات تقييم الأصول غير الملموسة تُعد خطوة متقدمة تتماشى مع التطورات المتسارعة في تقنيات البرمجيات المتقدمة، ونمو أفكار ريادة الأعمال، والتي دفعت العديد من الشركات إلى تخصيص ميزانيات تطوير تُضاهي ميزانيات دول ذات اقتصادات متوسطة.
وأشار إلى أن المعايير المستحدثة لتقييم الأصول غير الملموسة تُعد امتدادًا طبيعيًا للاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية للفترة من 2022 إلى 2027، والتي نتج عنها تأسيس الجهاز المصري للملكية الفكرية.
ونوّه قاعود إلى التداخل البنيوي بين الملكية الفكرية والابتكار من جهة، وبين الأصول الملموسة وغير الملموسة من جهة أخرى، موضحًا أن عناصر غير ملموسة كالتطبيقات البرمجية باتت تُدير وتُوجّه عمليات واسعة في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، مما يعكس الأثر العميق لهذه الأصول في مختلف مفاصل الاقتصاد.
وشدّد على أهمية إصدار معايير منهجية لتقييم هذه الأصول، لما توفره من أدوات تحليلية لقياس القيمة الاقتصادية والتأثير المالي والنقدي، بما يُمكّن من بناء نماذج تمويلية لتطوير هذه الأصول أو تداولها، وتحويل الأفكار الابتكارية إلى أصول رسمية معترف بها قانونيًا.
وفيما يتعلق بطرق التقييم، أوضح الأستاذ قاعود أن هناك ثلاث منهجيات رئيسية:
1. نهج التكلفة: يعتمد على تحديد تكلفة إنشاء الأصل أو استبداله، سواء كانت التكلفة التاريخية الفعلية أو تكلفة إعادة الإنشاء وفقًا للوضع الراهن.
2. نهج السوق: يستند إلى مقارنة الأصل بأصول مماثلة تم تداولها مؤخرًا، باستخدام معاملات مشابهة أو معدلات حقوق الملكية الفكرية لتحديد القيمة.
3. نهج الدخل (العائد): يُقيّم الأصل بناءً على التدفقات النقدية المستقبلية المتوقعة، باستخدام أسلوب “التدفقات النقدية المخصومة” لتقدير القيمة الحالية.
وبيّن أن هذه الأساليب تُعد الأكثر شيوعًا في تقييم الأصول غير الملموسة مثل براءات الاختراع، حقوق النشر، العلامات التجارية، والشهرة التجارية.
كما أشار إلى أن المعايير الجديدة ستُسهم في القضاء على العشوائية والتقديرات غير المنهجية التي كانت سائدة سابقًا، حيث ستُعتمد إجراءات تقييم قابلة للتحقق والرجوع إليها، مما يُعزز من دقة التقييم المالي والنقدي.
وأكد أن هذه المعايير ستُفضي إلى نشوء قطاع اقتصادي جديد قائم على الأصول غير المادية، يتميز بشفافية السوق وانضباط العمليات، الأمر الذي يُسهم في جذب الاستثمارات وتنمية هذا القطاع الحيوي.
ودعا إلى ضرورة مواجهة التحديات المرتبطة بعمليات التقييم من خلال تطوير المعايير والمنهجيات، مع التركيز على رفع كفاءة الفنيين والمقيمين عبر برامج تدريبية متخصصة وشهادات مهنية، والاستفادة من التدريب العملي في بيئات مهنية متقدمة، خاصة في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها هذا المجال بفعل الذكاء الاصطناعي.
واختتم بالإشارة إلى أن الوضع الجديد الناتج عن تطوير معايير التقييم سيُسهم في تنشيط الاستثمارات المباشرة في الأصول غير الملموسة، لا سيما في قطاع البرمجيات والتطبيقات، مما يُمهّد لطرح هذه الأصول في البورصة سواء عبر شركات أو صناديق استثمار مغلقة، ويُعزز من فرص الاستحواذ والاستثمار المباشر، بما يُسهم في إعادة تشكيل هيكل الاقتصاد الوطني وخلق قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة.














