بقلم: ✍️ احمد شتيه
في خطوة استراتيجية تُعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، شهدت محافظة دمياط المصرية حدثًا صناعيًا فريدًا تمثّل في تشييد أول مصنع لإنتاج الكابلات البحرية ضمن المنطقة الصناعية واللوجيستية غرب دمياط.
هذا المشروع العملاق ليس مجرد منشأة صناعية جديدة، بل هو مؤشر على تحول نوعي في خريطة الاستثمار الصناعي المصري وتوطين الصناعات المتقدمة ذات الطابع العالمي.
المصنع الجديد، الذي يتم إنشاؤه على مساحة واسعة داخل المنطقة الصناعية اللوجيستية المتاخمة لميناء دمياط، سيتخصص في إنتاج الكابلات البحرية المستخدمة في مشاريع الاتصالات البحرية والطاقة المتجددة (مثل الربط الكهربائي البحري ومزارع الرياح البحرية). ويُعد هذا النوع من التصنيع من الصناعات عالية التقنية، التي كانت تحتكرها دول محدودة حول العالم، ما يجعل من المشروع إنجازًا مصريًا بامتياز.
يكتسب هذا المصنع أهمية كبرى لعدة أسباب، أولها أنه يضع مصر على خريطة الدول المصنعة لمكونات البنية التحتية البحرية، مما يعزز من قدرتها التفاوضية والدبلوماسية في مشروعات الربط الكهربائي مع أوروبا وإفريقيا، خاصة أن البلاد تسعى لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة.
ثانيًا فإن وجود هذا المصنع في دمياط يمنح الميناء دفعة نوعية، بفضل تكامل العمليات اللوجيستية والصناعية، ويعزز تنافسيته كميناء محوري على ساحل البحر المتوسط.
المصنع من المتوقع أن يوفر مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لأبناء محافظة دمياط والمحافظات المجاورة، كما سيُحدث طفرة في الصناعات المغذية والمساعدة مثل تصنيع النحاس والألياف البصرية والبلاستيكات الصناعية ، كما يُتوقع أن يجذب المصنع شركات عالمية للتعاون أو الاستثمار المشترك، نظرًا لكونه الأول من نوعه في المنطقة.
هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية الدولة المصرية لتعزيز الصناعة الوطنية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات التكنولوجية، وجعل مصر مركزًا تصنيعيًا إقليميًا ، وهي أيضًا رسالة إلى العالم مفادها أن مصر لا تكتفي بدورها التاريخي في العبور البحري والتجارة، بل تسعى لأن تكون منتجًا ومصدرًا للتكنولوجيا والمعدات الحيوية.
إن تشييد أول مصنع للكابلات البحرية في المنطقة الصناعية غرب دمياط ليس مجرد مشروع صناعي، بل هو انعكاس لنهج الدولة المصرية الجديد نحو توطين التكنولوجيا المتقدمة وربط الصناعة بالبنية اللوجيستية والموانئ، بما يعزز من مكانة مصر الإقليمية ويفتح آفاقًا اقتصادية وصناعية غير مسبوقة. وها هي دمياط، المحافظة التي طالما عُرفت بحرفييها، تتحول اليوم إلى ركيزة صناعية تكنولوجية تعانق العالمية.














