بقلم ✍️ د.محمد الجوهري
(أمين لجنة التعليم بحزب الجيل الديمقراطي)
ما حدث من تغيير فاجأ البعض بشاشات أجهزة “موبيلاتهم” وقد تغيرت تماماً؛ وتغير شكل واجهة الاتصال التي اعتادوا عليها ، الأزرار، الترتيب، كل شيء أصبح مختلفاً دون سابق إنذار، ودون حتى أن يأخذ المطور إذنا مسبقا بذلك وأصبح هذا أمراً واقعاً مُفروضاً على الجميع.
هذه الحادثة، التي قد تبدو للبعض وكأنها “عطل تقني” أو “تجربة غير مدروسة”، هي في واقع الأمر جرس إنذار يجب الانتباه إليه من كل المعنيين.
فالامر باختصار قصة قوة خفية، قادرة على الوصول إلى موبيلاتنا، بياناتنا، ومعلوماتنا الشخصية.
وسؤالي المهم : كيف لشيء بهذه الحساسية أن يتغير في ليلة بإرادة غير إرادتنا؟.
هذا الدليل الملموس الذي شاهده الجميع يؤكد لنا، وبأقسى الصور، مدى خطورة الذكاء الاصطناعي عندما يخرج عن السيطرة، أو عندما يقع في الأيدي الخطأ.
لقد أظهر لنا أن “الاختراق” ليس بالضرورة أن يكون سرقةً للصور أو الأموال بشكل مباشر، بل يمكن أن يكون اختراقاً للإرادة والخصوصية والخيار الشخصي.
لقد أصبح الأمر يتجاوز مجرد إزعاج تقني عابر؛ لقد مسَّ صميم أمننا الفردي والقومي على حد سواء.
تخيل لو أن هذا التغيير لم يكن لواجهة “الموبيل”، بل كان لخوادم الطاقة أو أنظمة المواصلات أو البنوك او الاتصالات؟ النتائج كانت ستكون كارثية بكل المقاييس.
وهنا تبرز الضرورة الملحة، بل الاستعجالية، للأمن السيبراني، الذي لم يعد ترفاً أكاديمياً أو تخصصاً هامشياً، بل أصبح درع الأمة الواقي وسيفها المسلط في عالم لا ترى معاركه بالعين المجردة.
ومن واقع تخصصي في التخطيط التربوي أؤكد أن الاستثمار في تعليم تخصصات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي لم يعد خياراً، بل هو استثمار في السيادة والوجود.
فنحن بحاجة إلى بناء جيل جديد من الخبراء والمتخصصين القادرين على فهم هذه التهديدات المعقدة ومواجهتها.
ومن الضروري أن نستعين بتجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال، أن ندرس نجاحاتها وإخفاقاتها، وأن نعمل على بناء تحالفات معرفية مع الخبراء العالميين، ونرسل أبناءنا في بعثات لدراسة هذا العلم ونقل ما تعلموه للوطن.
والخلاصة التي نصل إليها هي أن ذلك التغيير المفاجئ في اجهزة المحمول نبهنا إلى أننا نعيش في عصر جديد، عصر تحكمه البيانات وتقوده “الخوارزميات”.
والأمن السيبراني هو الضمانة الوحيدة لعبور هذا العصر بأمان، وهو لم يعد مجرد تخصص تقني، بل هو ضرورة عصرية لضمان حاضرنا وحماية مستقبلنا.













