بقلم : د.محمد الجوهري
(أمين لجنة التعليم بحزب الجيل الديمقراطي)
نحتفل اليوم بالذكرى ال٥٢ لنصر أكتوبر المجيد لتتذكر الأمة جمعاء بأن المعادلات المستحيلة لا وجود لها في قاموس الأمم العزيزة، وأن الإرادة المصممة والتخطيط المحكم هما الطريق لاستعادة الحقوق وردع العدوان.
فلم يكن انتصار حرب أكتوبر 1973 مجرد عبور عسكري ناجح لقناة السويس، أو تحطيم لخط بارليف المنيع فحسب، بل كان حدثاً تربوياً بامتياز، تخرج فيه جيل كامل على قيم الصبر، والتضحية، والوحدة، والثقة بالله ثم بقدرات الذات.
ولعل اهم الدروس التربوية المستفادة من النصر:
– التخطيط العلمي الدقيق : حيث يعد الدرس الأبرز في نصر أكتوبر هو انتصار”فكر التخطيط” على “ثقافة الارتجالية”.
فلقد كانت حرب أكتوبر عملاً علمياً منضبطاً، بُني على دراسة متعمقة للعدو وللذات، وتوقيت دقيق، واستغلال لعنصر المفاجأة بشكل غير مسبوق.
لقد علمنا النصر العظيم أن الأحلام الوطنية الكبيرة لا تتحقق بالعواطف والخطب الحماسية وحدها، بل بالتخطيط المحكم الذي يدرس كل الاحتمالات، ويعد العدة المادية والمعنوية، وينتظر اللحظة المناسبة بكل صبر وحكمة.
وهذا الدرس هو أساس النجاح في أي مجال من مجالات الحياة، سواء كان تعليمياً، أو اقتصادياً، أو اجتماعياً.
– صناعة الإنسان هي المحرك الأساسي للانتصار حيث اثبت النصر أن أقوى الأسلحة هي الإنسان المؤمن بقضيته،المدرب تدريباً عالياً، والمليء بالروح المعنوية العالية. والجندي المصري في أكتوبر لم يكن يحمل بندقية فحسب، بل كان يحمل يقيناً بعدالة حربه، وإيماناً بقدرته على التغيير.
وهذا يؤكد لنا بأن الاستثمار الحقيقي في بناء الإنسان، في تعليمه، وتدريبه، وتنمية حسه الوطني والأخلاقي في المدرسة والمعهد الأزهري والجامعة.
ـ جاء نصر اكتوبر كثمرة لوحدة عربية مصرية فلقد كانت الجبهات المصرية والسورية متزامنة، والدعم العربي مادياً ومعنوياً كان سنداً عظيماً، وهذا يذكرنا بأن قوة الأمة تكمن في وحدتها.
ـ تحطيم أسطورة “العدو الذي لا يُقهر” ويعد هذا من أعظم إنجازات حرب أكتوبر أنها كسرت حاجز الخوف النفسي الذي زرعه الاحتلال الإسرائيلي في نفوس العرب لعقود.
لقد أثبت الجندي المصري أنه قادر على الابتكار والتحدي والانتصار.
وهذا الدرس يهم كل شاب وكل إنسان يواجه تحديات مستحيلة، سواء في مسيرته التعليمية أو المهنية.
إنه يعلمنا ألا نستسلم لصورة الذات الدونية، وألا نبالغ في تقدير قوة الخصم، بل نعمل على تطوير أنفسنا وثقتنا بقدراتنا.
ـ ومن الوقفات التربوية المهمة في نصر اكتوبر المجيد أهمية العلم والتكنولوجيا فرغم قلة الإمكانيات نسبياً،إلا أن العقلية العسكرية المصرية استطاعت أن تبتكر حلولاً غير تقليدية للتغلب على التفوق التكنولوجي للعدو، سواء باستخدام خراطيم المياه لتحطيم خط بارليف، أو في تنظيم عبور المشاة والدبابات وهذا يوجهنا إلى ضرورة امتلاك العلم والتكنولوجيا، والابتكار في كل المجالات، لأن المعركة الحضارية الحقيقية هي معركة علم وتقنية.
وختاما فان ذكرى نصر أكتوبر ليست مجرد استعادة لحدث تاريخي مجيد، بل هي وقفة تربوية للتأمل في الدروس والعبر التي يمكن أن تكون سبيلا نهتدي به في حاضرنا ومستقبلنا.
إنها دعوة لاستعادة روح أكتوبر: روح التخطيط، والوحدة، والإرادة القوية، والإيمان بالله وبالقدرات الذاتية. فهذه الروح هي الضمانة الحقيقية لأي نهضة حقيقية، وهي السبيل لمواجهة التحديات التي لا تزال تعترض طريقنا نحو المستقبل الذي تستحقه.













