في زمن السوشيال ميديا كل شيء مباح ــ ومتاح ــ حتى لو كان غيرمألوف أو يتعارض مع قيمنا وأخلاقنا التي نشأنا عليها وترسخت في وجداننا وبات الخروج عليها بالنسبة للأجيال القديمة بمثابة خروج على القانون.
هناك حالة من الهوس اسمها “التريند”، يعيشها المجتمع أو بالأحرى من يصنفون أنفسهم على أنهم نجوم، وفي الطريق الى “التريند” لابأس من أن تفعل أو تقول أو تطرح أي شيء خاصة اذا كان مخلتفاً وجديداً أو بمعنى أدق عكس التيار، من الملابس الغريبة و”الخليعة”.. الى الأفكار الشاذة والمثيرة.. الى افتعال مواقف وحكايات و”خناقات” ليس لها أي أساس إذا لزم الأمر للوصول الى الهدف.
أحد الفنانين المشاهير لايترك فرصة إلا ويخرج علينا بتقليعة جديدة، مرة بالغناء عاري الصدر واستخدام لغة خطاب ــ وغناء ــ منفرة، ومرة أخرى بالرقص على الطائرة، ومرة ثالثة بالقاء الأموال بصورة غير طبيعية، المهم أن يقلب السوشيال ميديا رأساً على عقب ويصبح حديث الناس في كل مكان وفي جميع الأوقات.
وفنانون آخرون أو بالأحرى فنانات تتفنن في ارتداء كل ماهو غريب و”مثير” أقل مايوصف بأنه لايتناسب مع مجتمعنا الشرقي بأخلاقه وتقاليده وظروفه، وهم ــ أو هن ” تتعاملن من النقد الجماهيري الذي يصل الى حد الغضب باعتباره نجاحاً، لأن الهدف لم يعد الجمهور أو المجتمع بل “التريند”.
ومن الملابس الى العبارات والألفاظ المبتذلة والكلام الممتليء بالخلاعة و”المياصة”.. إحداهن نجحت في الوصول الى “التريند” بالحديث عن مؤخرتها حيث تداول المراهقون الذين تستهويهم مثل هذه الموضوعات الهابطة مقاطع من حوارها الفضائي، ومن لم يشاهدها “لايف” تكفلت وسائل التواصل الإجتماعي بنقله، ولاعزاء للحياء والقيم والأخلاق.
الأمر لا يقتصر على أهل الفن بل يمتد للكثيرين ..إعلامي شهير خصص جزءاً لابأس به من ظهوره على الهواء ليتحدث عن الصيدلي الذي يقرأ القرآن في الصيدلية والأولى به أن يقرأ في التركيبات الطبية ــ مجال تخصصه ــ وهو يعلم أنه سيتعرض للهجوم، فالأمر لم يكن مفاجئاً بالنسبة له لكنه رضي بذلك في مقابل “التريند” حتى لو من بوابة الإنتقاد.
بعض وسائل الإعلام تلجأ لنفس الأسلوب بنشر موضوعات أو عناوين على صفحاتها بوسائل التواصل لاحداث حالة من الجدل، ولاتضع في اعتبارها تأثير ماتنشره ــ أو خطره ــ طالما أنه يحقق الغرض.. إحدى الصحف المعروفة نشرت على صفحتها على إنستجرام تصريحاً لإعلامية “شهيرة” تقول فيه إنها بحثت في جميع النصوص الشرعية فلم تجد مايشير الى أن الحجاب فرض!!!
ورغم أن التصريح يتنافى مع صحيح الدين المعروف للقاصي والداني حيث سبق طرح هذه الرؤية “الشاذة” بمعرفة نفس الإعلامية وغيرها، وقام أهل التخصص بالرد عليهم في حينه بصورة واضحة تفند تلك المزاعم وتحسم الأمر لمن يريد أن يعي أو يفهم، إلا أن الصحيفة لم تجد بأساً في إعادة نشر التصريح المستفز والذي حقق المطلوب بإحداث حالة من الغضب “المتوقع” سواء على الإعلامية أو الصحيفة نفسها.. لابأس المهم هو الوصول لـ “التريند”.
الحقيقة أن النماذج متعددة وتستهوي الكثيرين حتى بالنسبة للناس العاديين ممن عرفوا أصول اللعبة وينشرون فيديوهاتهم على “التيك توك” و”يوتيوب” وغيرها من المواقع، خاصة وأن المشاهدات يتم ترجمتها الى دخل مادي يسيل له اللعاب فبعضهم يحقق ملايين، وكلما كان الموضوع غريباً ومثيراً وشاذاً كلما زاد الإقبال وزاد الربح.
القصة أصبحت مزعجة وتصيب الكثير من الأسر بالقلق وليس لها حل جذري في تصوري إلا بمقاطعة مثل هذه الأمورالمبتذلة ــ إذا كان ذلك ممكناً ــ حتى لاتحقق الهدف منها والمتمثل في الإنتشار والوصول الى أكبر قدر من المشاهدات، وبالتالي تبدأ في التراجع والإنحسار.
أيمن عبد الجواد
[email protected]