بقلم : محمد يحيى فرج
(مدرس الميكروبيولوجيا و المناعة بكلية الصيدلة ـ جامعة المنوفية)
في النصف الثاني من القرن الماضي، دخل لاعبون جدد على خريطة الانتاج العالمي بقوة. فقد سطع نجم ما يسمى بالنمور الاسيوية والتي ضمت كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان و هونج كونج و أخذت تحجز لنفسها مكانا على ساحة الانتاج و التصدير.
وسرعان ما انضمت دول أخرى إلى هذه النهضة الاقتصادية مثل ماليزيا و إندونيسيا و تايلاند ليشكل مجموع هذه الدول بالإضافة لليابان ما يسمى بالمعجزة الشرق آسيوية.
و بالإضافة إلى ذلك كانت اقتصادات الصين و الهند آخذة في النمو و الازدهار لتصل إلى الوضع الحالي حيث تحتل الصين المركز الثاني عالميا من حيث الناتج المحلي الاجمالى بينما تشغل الهند المركز الرابع في عام ٢٠٢٥. و بالإضافة إلى ذلك كانت دول آسيوية أخرى تأخذ حظها هي الاخرى من النهضة الاقتصادية كفيتنام مثلا.
و اليوم نجد ان الناتج المحلي الاجمالى للدول الآسيوية قد تخطى الأربعين بالمائة من الناتج المحلى العالمي و ان اكثر من نصف الناتج الصناعي العالمي قد تركز في هذه الدول. كما أننا عندما ننظر الى مجموعة البريكس و التي تضم دولا آسيوية بالإضافة إلى البرازيل و مصر و جنوب افريقيا و دول أخرى، نجد أنها قد أصبحت تنتج ٣٩% من الناتج المحلى الإجمالي في العالم.
و هذه الأرقام و البيانات انما تُخبر عن تغيير في خريطة الانتاج في العالم، فبعد ان كانت الدول الغربية تستأثر بالهيمنة الاقتصادية منذ الثورة الصناعية، إذ بلاعبين جدد من جغرافيا أخرى تماما يدخلون بكثرة في خريطة الانتاج الجديدة و يتفوقون على كثير من اللاعبين القدامي.
وعندما نتخطى الانتاج و الاقتصاد وننظر إلى الابداع والابتكار نجد ان هذه الخريطة أيضا قد تغيرت و ان دولا غير غربية قد تفوقت فى هذه المجالات بقوة و تتنافس مع الدول الغربية على الصدارة الإبداعية أيضا. ففي العام ٢٠٢٣ شهدت الصين تقديم اكثر من مليون و ستمائة الف طلب براءة اختراع متربعة على قمة الترتيب ونجد ان اليابان وكوريا الجنوبية قد شغلا المركزين الثالث والرابع على الترتيب بينما جاءت الهند في المركز السادس و ذلك طبقا للمنظمة الدولية للملكية الفكرية.
كما أن المنافسة الشرسة بين الشركات الغربية و نظيراتها الآسيوية في مجالات متقدمة مثل الاتصالات و السيارات و الالكترونيات و غيرها، لتشهد على حجم الطفرة التي وصلت اليها هذه الشركات الآسيوية في مجال الابداع و الابتكار. و بعد أن كانت هناك هوة علمية كبيرة بين دول الغرب المتقدم و باقي الدول في القرنين الماضيين، إذا بالدول الصاعدة الأخرى تقلل هذه الهوة شيئا فشيئا حتى وصلت الى المستوى الحالي من الندية و التنافسية الغير مسبوقة.
وهذا التغير في خريطة الإنتاج و الإبداع ربما يقدم لنا إجابات سحرية تفسر لنا هذه المعارك التجارية الغير مسبوقة في العالم و هذا الاستقطاب الآخذ في التصاعد و هذا التنافس المحموم نحو التفوق العلمي و الاقتصادي. و هذا التغير بما صحبه من تنافسية و انتشار للمعرفة المتقدمة ربما يفتح أبوابا أيضا نحو فرص واعدة في مجال الاستثمار و مجال نقل التكنولوجيا و غيرها.
و بينما تحوي كل خريطة مفتاحا يتيح قراءتها و معرفة رموزها، فربما تحتوي خريطة الإنتاج و الإبداع على مفاتيح فريدة تتيح فهم الكثير و تقدم الكثير من الإجابات و الحلول.












