»» حدثٌ تتوحّد حوله القلوب قبل العيون لإعادة تشكيل الوعي الجمعي
احتفاء بعودة الروح وابتهاجها باحتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير تقول الكاتبة الدكتورة لمياء محسن “دكتوراه الإذاعة والتلفزيون ـ جامعة القاهرة”.
في لحظةٍ يتشابك فيها ضجيج العالم، وتشتدّ فيها الأزمات من كل صوب، تُطلّ مصر بوجهٍ آخر؛ وجهٍ يعرف كيف يضيء، حتى من قلب العتمة.
فافتتاح المتحف المصري الكبير — أكبر متحف أثري في العالم — ليس افتتاحًا لمبنى حجري ضخم يضم كنوز الفراعنة، بل هو حدثٌ تتوحّد حوله القلوب قبل العيون. حدثٌ يعيد تشكيل الوعي الجمعي، ويعيد إلى الذاكرة معنى الانتماء حين يُختَبر، ومعنى الفخر حين يُولَد من رحم الصبر، ويؤكد أن الانتماء لا يموت تحت ضغط الواقع، بل يولد من جديد كلما حاولت الظروف طمسه.
في زمنٍ يتحدث فيه كثيرون عن الألم والتحديات، يظهر هذا المتحف كرسالة هادئة تقول: “ما زال فينا ما يستحق الفخر.”
فالمواطن المصري — مهما كان موقعه — ينتظر هذه اللحظة لا بصفته متفرجًا، بل شريكًا في ذاكرة بلد.

وأضافت إن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس فقط لحظة تاريخية في سجل الحضارة، بل لحظة نفسية وجمعية أيضًا؛ فيها استعادة لإحساس “النصر الممكن”، حتى وسط الهزائم الصغيرة.
في لحظاتٍ كهذه، حين ينظر العالم كله إلى مصر، لا يرى فقط آثار الفراعنة ولا الكنوز الذهبية ولا القناع الأسطوري لتوت عنخ آمون؛ يرى شيئًا أبعد وأعمق — يرى إرادة البقاء.
يرى بلدًا يتحدث من خلال ذاكرته، ويُعلن في صمتٍ أن الحضارة ليست صفحةً في كتاب التاريخ، بل نبضٌ حيّ يسكن في الناس.
هو صورة الإنسان المصري حين يصرّ، وحين يصمد، وحين يختار أن يفرح، رغم أن العالم من حوله يمتلئ بالأزمات.
وتابعت: إن الانتماء في جوهره ليس شعارًا ولا ردّ فعلٍ عابرًا، بل حاجة إنسانية عميقة — حاجة لأن ينتمي الإنسان إلى شيءٍ يمنحه المعنى، ويعيد إليه الإحساس بأنه جزءٌ من كلٍّ أكبر منه.
ولهذا، يأتي افتتاح المتحف كفرصةٍ ليلتقي المصريون حول معنى واحد، بعد أن فرّقتهم تفاصيل الحياة اليومية، فيجدوا في هذا الحدث الثقافي مساحةً للزهو والاطمئنان: أن ما نملكه من حضارة لا يزال قادرًا على جمعنا، وأن بيننا ما يستحق الاحتفاء.
ولعلّ أعظم ما في هذا الافتتاح أنه يعيد تعريف “النصر” بعيدًا عن صور المعارك والانتصارات التقليدية.
فالنصر هنا هو القدرة على الصمود والجمال في زمن الخشونة، هو أن تُعيد بلدًا بأكمله إلى ذاكرته الحضارية، ليعرف من يكون.
وحين يعرف الإنسان من يكون، لا تعود الأزمات قادرةً على كسره تمامًا.
واردفت د.لمياء محسن:إن المتحف المصري الكبير يقدّم للعالم وجه مصر الأعمق — لا كأرضٍ للحضارة فقط، بل كأرضٍ للأمل.
فهو يذكّر كل مصري بأن في داخله قطعةً من هذا التاريخ، وأن الذهب الحقيقي ليس ما في القاعات، بل ما في النفوس التي ما زالت تعرف كيف تحلم، وكيف تفرح، وكيف تنتمي.














