بقلم: د. ياسمين جمال
( باحثة دكتوراة في الإعلام التربوي بجامعة عين شمس)
تأتي الانتخابات في مسيرة الأمم باعتبارها لحظة فارقة تُعبّر فيها الشعوب عن إرادتها الحقيقية؛ فالصوت الذي يُدلي به كل مواطن ليس إجراءً شكليًا، بل هو مسؤولية وطنية تُسهم في رسم ملامح المستقبل. ومن هنا، يبرز الدور المحوري لكل من الأسرة والشباب في تعزيز ثقافة المشاركة، بما يضمن مجتمعًا واعيًا وقادرًا على اتخاذ القرار الصحيح.
ففي البداية، تُعدُّ الأسرة هي البيئة الأولى التي يتلقى فيها الطفل قيم المواطنة والانتماء. فحين يرى الأبناء آباءهم وأمهاتهم يناقشون قضايا الوطن ويتابعون أخبار الانتخابات باهتمام، تنمو داخلهم فكرة أن المشاركة ليست مجرد حدث عابر، بل هي واجب يُتمّ به الإنسان دوره في خدمة بلاده. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع الأسرة أن تُعرّف أبناءها بأهمية صوتهم، خاصة وأن بعض الشباب قد يظنون أن مشاركتهم لا تُحدث فرقًا، بينما الحقيقة على العكس تمامًا؛ فكل صوت قد يُغيّر المشهد كله.
ومن ناحية أخرى، تلعب الأسرة دور المرشد الواعي الذي يوجّه أبناءه نحو اختيار قائم على المعرفة لا على التأثير العشوائي، إذ يمكنهم ـ على سبيل المثال ـ مساعدة الشباب في البحث عن المعلومات الصحيحة حول المرشحين وبرامجهم، وذلك بدلًا من الوقوع في فخ الشائعات أو الانسياق وراء دعوات سلبية تدعو إلى السلبية والامتناع. كما أن الحوار الهادئ داخل البيت حول مستقبل الوطن يُعزّز احترام الآراء المختلفة، وبالتالي يرسّخ قيمة الاختلاف البنّاء في أذهان الأبناء.
أما الشباب، فهم روح المجتمع وطاقته التي لا تنضب. ولهذا، فإن مشاركتهم الانتخابية لا تُعد مجرد إضافة، بل هي ضرورة وطنية؛ لأنهم يمثلون الشريحة الأكبر عددًا والأكثر قدرة على التطوير. كذلك يمتلك الشباب وعيًا رقميًا ومعرفة بالواقع المحيط، ما يجعلهم أقدر على تقييم احتياجات مجتمعهم وتحديد أولويات المرحلة القادمة. ومن جهة أخرى، فإن نزول الشباب للانتخابات يُرسل رسالة واضحة بأن جيل اليوم لا يقف موقف المراقب، بل يؤكد أنه شريك أصيل في البناء وصناعة القرار.
إضافةً إلى ذلك، يمكن للشباب أن يلعبوا دورًا توعويًا بين أصدقائهم وزملائهم، فالرسائل التي تصدر عنهم تكون أكثر تأثيرًا على من هم في نفس العمر. وبالتالي، فإن إقبالهم على المشاركة قد يُحوّل العملية الانتخابية إلى مشهد وطني مُلهم، تتكاتف فيه الأجيال وتتوحّد فيه الإرادة.
وبالرغم من أن الطريق نحو الوعي الكامل قد يحتاج إلى وقت، إلا أن تكامل دور الأسرة مع قوة الشباب يمكن أن يصنع تحولًا حقيقيًا. فحين تُعلِّم الأسرة أبناءها أن صوتهم أمانة، ويستشعر الشباب قيمتهم وتأثيرهم، عندها فقط نستطيع القول إن المشاركة أصبحت ثقافة راسخة وليست حدثًا موسميًا.
لذا، فإن مستقبل الوطن لا يُبنى بالكلام وحده، بل بالفعل والإصرار على أن يكون لكل مواطن مكان في مشهد اتخاذ القرار. لذلك، فلننطلق جميعًا ـ داخل البيوت وفي الجامعات وفي كل تجمع شبابي ـ نحو تعزيز المشاركة، لأن صوتًا واحدًا قادر على دعم الاستقرار، وصوت الشباب قادر على صناعة غدٍ أفضل لمصر… وطن يستحق منا الكثير، ودورنا فيه يبدأ من صندوق الانتخابات.














