أحيانًا أودّ لو أضع على باب حياتي ورقة صغيرة كتبتها بدمعٍ لا يُرى، وعلّقتها بخيطٍ من صبر، ليقرؤها كلُّ من يمرّ قبل أن يطرق القلب أو يجلس في ساحة روحي. ورقة تقول: “مهلًا… أنا لست بخير كما أبدو، لكنّي أحاول أن أكون.” كم من معركةٍ خضتها بصمتٍ وأنا أبتسم كي لا ينهار الذين أحبّهم، وكم من حزنٍ خبّأته في ملامحي كي لا يُسأل: ما بك؟ لقد صار الوجع عندي عادةً، والسكوت درعًا ألوذ به من سؤالٍ لا أريد له أن يفتح جرحًا أغلقتُه بشقّ الأنفس. يا من تطرق بابي، كن لطيفًا، فأنت لا تعلم كم حربٍ خضتُها مع نفسي كي أصل إلى هذا الهدوء الذي تراه. إن السلام الذي تظنّه طبعًا فيّ ما هو إلا ثمرة تعبٍ طويل ونضجٍ موجع وتجاربَ علّمتني أن الهدوء ليس ضعفًا، بل حكمةُ من ذاق طعم الانكسار وخرج منه واقفًا. إنني أبدو لك متصالحةً مع العالم، لأنني تصالحت أولًا مع جروحي، قبّلتها واحدةً واحدة، وقلت لها: “شكرًا، علّمتِني أن أرى.” تعلّمتُ أن اللين لا يعني السذاجة، وأن الطيبة ليست بابًا مفتوحًا لكلّ عابرٍ بلا نية، وأن القلب إن صفا وجب أن يُحاط بسياجٍ من الوعي. يا صديقي العابر إلى عالمي، إنّ قلبي ليس فندقًا، بل وطنٌ صغير لا يسكنه إلا من يفهم معنى الأمان، فإذا دخلت، فادخل حافيَ القلب، طاهرَ النيّة، لأنّ الأرواح لا تُحتمل بالضجيج، بل تُحَبّ بالسكينة. لقد خضتُ معارك كثيرة دون أن أرفع صوتي، وهُزمتُ أحيانًا، لكنّي كنت أعود إلى نفسي كما تعود الطيور إلى أعشاشها عند الغروب، وفي كلّ عودةٍ كنت أجد في داخلي بقايا ضوءٍ لم تُطفئه الخيبات، ذلك الضوء هو ما يبقيني إنسانةً رغم كلّ ما كُسر. علّمتني الأيام ألّا أنتظر من أحدٍ أن يفهمني، فالفهم نعمة لا تُمنح إلا لمن ذاق نفس الألم، لذلك كتبت على بابي: “إذا لم تعرف الحكاية، فلا تحكم على الراوي، وإذا لم تعش الجرح، فلا تقل هذا بسيط.” ولأنّي لا أريد أن أشرح وجعي كلّ مرة، اكتفيتُ بأن أبتسم وأقول: “أنا بخير.” لكن الحقيقة أن الخير عندي بات مقاومةً صامتةً لا تُرى إلا في العيون حين تغرق بالسكينة بعد تعبٍ طويل. يا من تمرّ بقربي، تمهّل، فربّ إنسانٍ تراه ساكن الملامح يحمل في صدره مقبرةً من الذكريات، وربّ قلبٍ يبدو قويًّا وهو يتهشّم كلّ ليلةٍ في صمته. كن لطيفًا، فاللطف لا يكلّف شيئًا، لكنه يُنقذ أرواحًا كثيرة، وكن رحيمًا، فربّ ابتسامةٍ منك تُعيد للحياة قلبًا كاد أن ينطفئ. أمّا أنا، فسأظلّ أكتب على بابي: “هنا تسكن امرأةٌ خاضت ألف معركة، ولم ترفع إلّا راية السلام.”













