الموسيقى العربية عشق خاص للمصريين منذ زمن بعيد،و يظهر ذلك جليا منذ أن أسست الدكتورة رتيبة الحفنى مهرجان الموسيقى العربية من ثلاثين عاما، ومن ساعتها و حب المصريين يزيد من عام لعام و من مهرجان لمهرجان الموسيقى العربية،سعدت هذا العام أن تمت دعوتى للمهرجان من قبل الصديق العزيز الدكتور مجدى صابر رئيس دار الأوبرا المصرية و المسئول الأول عن مهرجان فى دورته الثلاثين،و زادت سعادتى ببرنامج حفل الافتتاح الذى زينته الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم بمقطوعتين موسيقيتين بآلتها السحرية الفلوت،و استطاعت أن تجذب كل أنظار المحبين لجمال هذه الآلة الساحرة، كما سعدت بدعوة صديقى المطرب الأصيل د أحمد إبراهيم للحفل و حرصه أن أكون موجودا، و لم لا؟ و قد ضربت المحبة بجذورها فى قلبينا منذ زمن بعيد، فقد عملنا معنا فى الهيئة العامة لقصور الثقافة و لا أنسى له محبته و تعاونه كى نقدم الموسيقى الجميلة الراقية و الأصيلة، حين كنت مديرا عاما لثقافة القليوبية، طلبت منه أن ينشئ أول فرقة للموسيقى النحاسية لتقدم برنامجها فى كشك الموسيقى – بعد عودته للعمل من ذاكرة التاريخ- بحديقة صقلية فى بنها، فاعتمد فرقة القليوبية للموسيقى النحاسية لتكون الأولى من نوعها فى الأقاليم وتتبع الهيئة العامة لقصور الثقافة،كانت تجربة ناجحة بكل المقايس بدعم المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية وقتها و صديقى الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة آن ذاك.
و من تلك اللحظة و علاقتى الفنية المرتبطة بالطرب و الفن الأصيل ممتدة لسنوات طويلة و بشكل مباشر، و صار يدعونى الفنان المبدع د أحمد إبراهيم مع مجموعة من الأصدقاء سنويا لحضور حفلته بمهرجان الموسيقى العربية مع مجموعة من الأصدقاء منهم الشاعر سعد عبد الرحمن و الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا ، و صرنا كمجموعة عمل محبة لفنه لا نتغيب عن حفلته إلا لظرف طارئ و صعب.
سعدت بحضور حفلته بمعهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس، بقيادة الفنان المايسترو فاروق البابلى قائد فرقة التراث بالأوبرا، و قائد الفرقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة، والجدير بالذكر أن تلك الفرقة-فرقة الأوبرا- لها نوعية متميزة من السميعة و المحبيين للطرب و الفن الأصيل،فكانت الوصلة الأولى لمجموعة من المطربين الراسخين الشباب و الوسط من صولاهات الأوبرا الذين ابدعو و تواصلت معهم الصالة و طلبت الإعادة من بعضهم .
و جاءت فقرة فناننا أحمد إبراهيم، قدم مجموعة أصيلة و متميزة من الأغانى و منها أغنية جديدة على السمع رغم أنها انتجت فى الستينيات من القرن العشرين و هى أغنية ” يا صديقى” لاسماعيل الحبروك و ألحان الشيخ سيد مكاوى و غناء إسماعيل شبانة شقيق عبد الحليم حافظ، و الحقيقة أن الأغنية كانت متميزة جدا كلاما و لحنا و غناء، مما أدهش الحضور بسماع أغنية مهمة لم تأخذ حظها من الشهرة، كما غنى أغنية الشهيرة “ساعة هدية” و التى ظل مذهبها عالقا بالأذن منذ سماعناه ” نفسى أجيبلك ساعة ..مابتمشيش” و سعدنا بأغنيتية من فيلم النمر الأسود “اتقدم” و “شايلك فى قليى” الوطنية الحماسية .
و بعد نصف البرنامج نكتشف أن فناننا الكبير يعانى بشدة من البرد و الكحة و يعالج، و رغم هذه المعاناه فقد ظل يقدم أداء جميلا و متميزا طوال الحفل مع زيادة الألم و هجوم الكحة التى كان يقاومها بقوة رغم عنفها، و يؤكد ذلك على عدة أشياء منها؛أولا،التزام الفنان أحمد إبراهيم بموعد الحفلة التى حددت له و حجزها الرواد فلا مفر من الغناء بكفاءة و جودة عالية و هذا ما حدث، ثانيا محبة الفنان للمهرجان الذى يحرص أن يكون موجودا دائما به،ثالثا، مستوى انضباط العمل بدار الأوبرا و المهرجان .
و السؤال الذى ظل يراودنى طوال الطريق أثناء عودتى للبيت ،كيف استطاع الرجل أن يقدم تلك الحفلة بتلك المقدرة ، فما أن يبدأ المذهب أو الكوبليه حتى ينطلق كالمارد الذى لا يحدده شيء و يختفى المرض و تضيع الكحة اللعينة التى أرهقته.
كل التحية للفنان الدكتور أحمد ابراهيم الجميل الذى أمتعنا و أطربا و تحية لدار الأوبرا المصرية التى أرجو منها أن يكون للفنان أحمد ابراهيم حفلة شهرية بالمعهد العالى للموسيقى العربية و كذلك للحلو و للحجار للحفاظ على الثراث و اكتشاف كنوزه التى قلما يستمع إليها أحد الآن و أثق أن صديقى الفنان مجدى صابر رئيس دار الأوبرا المصرية و الدكتورة جيهان مرسى وكيلة الوزارة سيفكران فى المقترح بجدية ليظل الحفاظ على التراث و إسعاد عشاق الموسيقى العربية الأصيلة طوال العام.