بقلم ✍️ د.سحر سالم
(الخبير الإعلامي واستشاري الصحة النفسية ـ مدير عام إذاعة القناة سابقا)
في لحظةٍ تتلاقى فيها الرؤية بالإرادة، اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بقيادات الدولة ليؤكد أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في الإنسان، لا في الحجر. فحديثه عن الشباب والرياضة لم يكن تكرارًا لشعاراتٍ مألوفة، بل إعلانًا عن مرحلة جديدة يكون فيها الشباب محور التنمية، والرياضة طريقًا لبناء الوعي والصحة والانتماء.
لقد شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة طفرة في إنشاء مراكز الشباب وتطوير الملاعب، وتحويل الرياضة إلى صناعة تساهم في الناتج المحلي. غير أن هذه الصورة المشرقة لا تخلو من ظلالٍ تحتاج إلى تصحيح. فبينما تتطور البنية التحتية بسرعة، ما زالت بعض المراكز تفتقر إلى الإدارة الفاعلة والكوادر المؤهلة، وتبقى المواهب في القرى والنجوع بعيدة عن أعين الكشافين، وكأن الرياضة حكرٌ على المدن الكبرى.
كما أن بعض الأندية لا تزال تُدار بعقلية المصالح الضيقة، ترفع شعارات الوطنية وهي غارقة في الخلافات والصراعات الداخلية، في حين تضيع الجهود الفردية وسط غياب منظومة مؤسسية لاكتشاف ورعاية الموهوبين منذ الصغر.
الحل لا يكمن فقط في ضخ الأموال أو بناء المنشآت، بل في بناء الفكر الرياضي نفسه. المطلوب هو ثورة هادئة في طريقة الإدارة والتخطيط، تبدأ من المدرسة والجامعة، بعودة الرياضة المدرسية لتكون المعمل الأول لاكتشاف الأبطال. كذلك يجب أن تتبنى الدولة برامج تأهيل إداري حديث للعاملين في المجال الرياضي، وتمنح القطاع الخاص حوافز أكبر للاستثمار في المواهب والبنية البشرية لا في المسابقات فقط.
كما أن الشفافية والحوكمة ليستا ترفًا، بل ضرورة لضمان أن تُدار الأندية والاتحادات بمعايير مهنية لا شخصية، وأن يكون كل جنيه يُنفق في موضعه الصحيح لخدمة الشباب لا للمظاهر.
إن ما يحدث اليوم هو بداية مشروع وطني متكامل لبناء الإنسان المصري، مشروع يجعل الرياضة أسلوب حياة وثقافة يومية، لا مجرد نشاط ترفيهي. فحين يمارس المصري الرياضة بعقلٍ واعٍ وجسدٍ قوي وروحٍ منتمية، يصبح الوطن نفسه أكثر قوة واستقرارًا.
إن شباب مصر ليسوا مستقبل الوطن فقط… بل هم الوطن ذاته، مشروعٌ دائم نحو غدٍ يليق بتاريخ أمةٍ لا تعرف التوقف.














