بقلم: د. لمياء محسن
( دكتوراه الإذاعة والتليفزيون ـ كلية الإعلام جامعة القاهرة)
بعض الأعمال لا تنجح لأنها مسلية فحسب، بل لأنها تلمس جراحًا داخلية عميقة يعرفها كلُّ مشاهد.
ومسلسل «ورد وشوكولاتة» كان من هذا النوع: لم يكن مجرد سرد درامي، بل مرآة لما نخفيه عن أنفسنا من ضعف، خوف، ورغبة في الأمان لم نحصل عليه يومًا.
الشخصيات في العمل لم تكن “أبيض وأسود”.. كل شخصية كانت جانيًا وضحية في آن واحد، ومع ذلك تعاطفنا معها، ليس بسبب تصرفاتها فقط، بل بسبب الدوافع النفسية العميقة التي كشفتها الشاشة: طفولة مشوهة، نقص الحب، واحتياج مفرط للأمان، ومحاولات عديدة للتعويض عن جراح داخلية لم تُشفى.
المرأة تبحث عن الأمان بأي صورة، حتى لو كانت مصحوبة بالإهانة أو التقليل أو الخوف.
الرجل يواجه خوفه من الفقد بسيطرة، وضعفه بعنف، ويحوّل جروحه الداخلية إلى أدوات ضغط على الآخر.
وبين الطرفين، نسقط في فخ العلاقة المؤذية: الحب الذي يولد في الظلام هش، والزواج الذي يبدأ في الظلام لا يمنح الأمان.
العلاقات المؤذية غالبًا لا تبدأ بالعنف الواضح، بل بخطوات صغيرة: تنازل بلا معنى، تبرير بلا أساس، صمت يختلط بالخوف والأمل.
مع الوقت، يصبح الخوف من الخسارة أكبر من الرغبة في النجاة، فتقبل الأذى بكل أشكاله أسهل من مواجهة الحقيقة.
الدراما هنا تفتح نافذة على سؤال نفسي أعمق:
هل يمكن أن يستمر الحب بلا أمان؟
هل الحب الذي يولد من نقص داخلي، من خوف، أو غياب الاحترام، هو حب فعلاً، أم مجرد محاولة للبقاء في العلاقة؟
وهل يستطيع قلبان مجروحان أن يلتقيا ليجد كل منهما الأمان والحب الذي افتقده منذ البداية، أم أن كل محاولة ستكون مجرد انعكاس لجروح قديمة لم تُشفى؟
الحقيقة أن الحب وحده ليس علاجًا.
العلاقات ليست مكانًا للشفاء، ولا وسيلة لملء الفراغات القديمة.
الأمان لا يولد داخل علاقة إذا كان غائبًا داخل كل طرف. إنه لا يأتي من وجود الآخر فقط، بل من إحساسك بأن وجودك محفوظ، وأنك إذا عبرت عن ألمك لن تُعاقب ولن تُهان.
لذا قبل أن تبحث عن حب في علاقة، أو عن أي أمان مع شخص آخر، تأكد ياصديقي أولًا أن تكون متوافقًا مع نفسك.
ابحث عن الأمان داخلك، عالج جروحك، امنح نفسك مساحة للحب والطمأنينة، وامنح لنفسك الاحترام الذي تبحث عنه في الآخرين.
فالحب الحقيقي لا يُعطى لمن لم يجد السلام بداخله، ولا يمكن لعلاقة أن تمنحك شيئًا لم تمنحه لنفسك أولًا.
ربما، فقط حين تجد الأمان لنفسك، يصبح البحث عن الآخر تجربة تمنحك دفء الحياة بدلًا من أن تكون مرآة لجراحك القديمة.














