بقلم : د.محمد يحيى (مدرس الميكروبيولوجيا و المناعة بكلية الصيدلة ـ جامعة السادات)
في السنوات الاخيرة برز بقوة هذا المصطلح الجديد وأخذ كثير من الباحثين والمفكرين يتناولونه باهتمام كبير و يفردون الوقت و الصفحات في محاولة لمناقشة أبعاد هذه الظاهرة وطبيعة هذه الثقافة؛ ثقافة التمرير.
فقد بات ملحوظا أن كثيرا منا أصبحوا يقضون ساعات طوال أمام المنصات الرقمية. وأن بعض هذه المنصات تعتمد على المحتوي الصغير او المقاطع القصيرة التي تجذب المتابع بجدتها و سرعتها.
و هكذا مع كل “تمريرة” أصبح المرء ينتقل إلى محتوى جديد جذاب وسريع حتى أن المرء قد يندمج تماما مع هذا المحتوى الجذاب المتجدد و لا يشعر بمرور الساعات الطويلة. ولكن بعدما أصبح الكثيرون يقضون اوقاتا بالغة الطول امام هذا المحتوى و تحول بالنسبة إليهم من وسيلة للتسلية و الترفيه إلى رفيق ملازم لهم في اغلب ساعات اليوم، فقد تأثروا تأثرا عظيما بلا شك بهذه الطريقة في التلقي و التفاعل.
فقد لاحظ باحثون ظواهر جديدة أطلقوا عليها ما يسمى بثقافة التمرير. فقد لوحظ ان الكثير خصوصا من الاجيال الأصغر سنا أصبحوا ينفرون من قراءة الصفحات الطويلة و المعلومات العميقة و يشعرون بالرتابة و الملل الشديد عندما يقضون وقتا يدرسون موضوعا واحدا بعينه. كما أن فترات التركيز الذهني عند البعض قد انخفضت و اصبح التشتت و عدم الانتباه يلوح سريعا عند آخرين. و لكن إذا غاب التركيز الذهني المطلوب و التفكير العميق المتصل، فكيف يستطيع الدارس فهم المحتوي العلمي العميق و استيعابه و ما هو مصير المهارات العقلية التي يحتاجها الإنسان في دراسته او في حياته العملية؟
و ليس معنى هذا ذما في بعض المنصات الرقمية، فهي وسائل حديثة لها مزاياها و فوائدها التي فرضت نفسها بقوة و هي تقدم منصات للتواصل و التعارف و قضاء وقت مسلي و مروح عن النفس.
فليس معنى ان يسىء البعض استخدام وسيلة حديثة ان نلقي باللائمة عليها، فذلك لا يقول به أحد.
و لكن مع ذلك فإن غياب الوعي بطبيعة هذه الوسائل و قلة الخبرة في التعامل معها هو الذي يجعل البعض ينساقون في السلوك المؤدي بهم إلى ظهور السلبيات. و غياب الوعي و الخبرة أيضا هو الذي يجعل البعض يهملون السلوكيات السليمة الموازية و المهمة لبناء المهارات الذهنية المطلوبة.
كذلك فمن الطبيعي عندما يقصر المرء كل وقته على نوع معين من المحتوى ان يتأثر به تأثرا شديدا وكذلك عندما يهمل الإنسان مطالعة الأنواع الاخرى من المحتوى فإنه يصبح غير ميال و غير مستعد للتفاعل مع هذه الانواع.
وظاهرة مثل ثقافة التمرير هي ظاهرة مركبة لها عوامل عدة و تحتاج فعلا إلى دراسة متأنية فاحصة لتحديد كافة عواملها و أبعادها ووضع حلول واقعية ومنطقية تركز في الأساس على نشر الوعي و تقدم منهج لحث النشء على مطالعة المحتوى العميق والقراءة المطولة بإستمرار وتوضح أيضا أهمية تنمية الملكات الذهنية المختلفة وضرورة متابعة ذلك من الآباء و الأمهات.
وفي الحقيقة، ربما تكون الملكات الذهنية كما الصفات الأخلاقية هي الأصعب في المتابعة و القياس ولكنها تستحق كل الاهتمام و المتابعة لأنها هي التي تحدد شخصية الإنسان و ملكاته بلا جدال.














