إنه “البلاك فرايداي” قالتها ابنتي “ريم” في محاولة لتشجيعي على الخروج والتسوق وتحمل صعوبة الزحام المتوقع، فالخصومات كبيرة ويسيل لها اللعاب، وبتلقائية شديدة وجه لي ابني الأصغر “يوسف” سؤالاً منطقياً وبديهياً: إذا كان الأمر يتعلق بالخصومات الكبيرة وهي شيء جيد، فلماذا لانطلق على اليوم “جود فرايداي”؟!
وبعيداً عن الغلو في مسألة المؤامرة التي تسيطر على تفكير البعض واتهام الغرب باطلاق التسمية بصورة متعمدة للإساءة الى يوم الجمعة الذي يتخذه المسلمون في كل أرجاء المعمورة عيداً، فقد توصلت بعد البحث الى أن سبب التسمية يرجع الى عام 1869م عندما وقعت أزمة اقتصادية وحالة ركود ضخمة بالولايات المتحدة، وعليه قرروا فيما بعد إحياء الذكرى كل عام في نفس موعد أو يوم الأزمة من خلال تقديم تخفيضات إستثنائية كبرى.
أي أن التقليد أمريكي ولم يسع أحد ــ أو يتآمر ــ لتصديره الينا لكننا نهوى التقليد، ولابأس من مسايرة الموضة بشرط تعديل التسمية لتتلاءم مع أهمية وقدسية هذا اليوم مثلما يفعل البعض بالقول “الجمعة البيضاء”.
***
بمناسبة البلاك أو الـ “جود فرايداي” أو الجمعة البيضاء فإن اليوم شهد اقبالاً وزحاماً غير طبيعي ونسي هواة التسوق فيروس كورونا والإجراءات الإحترازية بل أن قطاعاً كبيراً منهم لم يلتزموا بإرتداء الكمامة، ولاتحدثني عن التباعد فليس له مجال أو موقع من الإعراب!!
الموضوع فعلاً خطير لأنه أصبح سلوكاً عاماً تلاحظه أو تصطدم به في كل مكان، من الموصلات الى المقاهي الى المولات رغم تحذيرات الأطباء ودعوتهم الى الإلتزام أكثر من أي وقت مضي، والتأكيد على أن التوسع في التطعيم ومايتبعه من تراجع في أرقام الإصابات لايعني أبداً التراخي في إتباع الإجراءات الوقائية، فالخطر مازال شديداً.. وشديداً جداً.
لغز أغاني المهرجانات:
أكبر لغز كان يحيرني في مسألة أغاني المهرجانات إن جاز لنا أن نطلق عليها غناء، هو أرقام المشاهدة المعلنة والضخمة جداً وتصل الى عشرات الملايين.
حل اللعز أو الإجابة على السؤال المحير جاءت على لسان الفنان هاني شاكر نقيب الموسيقيين الذي كشف حقيقة مخجلة مفادها أن الكثيرين منهم يقومون بشراء تلك الأرقام حتى يتصدروا التريند ويحققوا الشهرة المطلوبة ثم يتاجروا بها فيما بعد، أي أن القصة كلها خداع في خداع وليس لهم جمهور عريض أو شعبية ضخمة كما يروجون.
هذا الأمر أكده لي أحد الأصدقاء من محرري الفن ويتولى في ذات الوقت إعداد برنامج لقناة فضائية شهيرة.. قال لي إنه استضاف أحدهم والذي اشترط للموافقة على الحضور للبرنامج بدون أجر أن يتم تعويضه بالإشارة كل فترة خلال إذاعة الحلقة الى أن أرقام استماع الأغنية في تزايد والإصرار على طرح أرقام غير حقيقية تصل الى ملايين مع نهاية الحلقة!!
بالتأكيد المعركة ليست سهلة على الفنان هاني شاكر، فهناك الكثيرون ــ خلف الستار ــ الذين يستفيدون من هذا المناخ وبعضهم يحقق مكاسب ضخمة من وراء تلك الحفلات وانتشار أغاني المهرجانات، ومن ثم يخرجون للدفاع عن “السبوبة” مستترين خلف دعاو زائفة من نوعية عدم قطع أرزاقهم وأنه “أكل عيش” وكأن هذا مبرراً للإستمرار في إنتهاك القيم والأخلاق.
لقد جربنا التأثير السلبي للمسلسلات والأفلام الهابطة على سلوك الكثيرين، وحان الوقت للبدء في تصحيح المسار في الدراما والغناء وغيرهما من الفنون.