كتب- عثمان الدلنجاوي
يقول د. علاء زهران رئيس معهد التخطيط القومي إن عدد سكان مصر طبقاً لأحدث البيانات نحو 102 مليون و 234 ألف نسمة، ويزداد السكان في مصر عموماً بنحو 2.5% سنوياً وإذا كان عدد الوفيات نحو 0.5%، ومن ثم فإن صافي الزيادة يصل لنحو 2%سنوياً، وهي زيادة تلتهم ثمار التنمية بالكامل ليظل السؤال المستمر: متى يشعر المواطن بتحسن ملموس في مستوى المعيشة؟
أضاف د.زهران إنه من المعلوم من الناحية العلمية والاقتصادية أن جني الشعب لثمار التنمية يتحقق إذا زاد معدل النمو الاقتصادي عن ثلاثة أمثال معدل نمو السكان على الأقل ولفترة ممتدة نسبياً. ومن ثم يجب تحقيق معدلات نمو اقتصادي تتجاوز 6% و 7% لفترة لا تقل عن خمس سنوات، كي يشعر المواطن البسيط بتحسن في مستوى معيشته. وقد كانت مصر على مقربة من ذلك لولا جائحة كورونا
أكد زهران أن نتائج بحوث الدخل والإنفاق والاستهلاك المتتالية تكشف عن أن الأسر ذات الدخل المنخفض هي الأسر الأكثر عدداً وبشكل خاص في المحافظات الأكثر فقراً. ومن المؤكد أن لهذه النتائج دلالات اجتماعية وثقافية تستحق التعامل معها بجدارة عند تناول موضوع المشكلة السكانية.
ويعتقد المواطن بشكل عام أن مسألة الإنجاب هي حرية شخصية وأنه هو الذي ينفق على أبنائه ولا يكلف الدولة أي شيء سوى الجزء الذي تدعمه الدولة سواء في دعم السلع التموينية أو في مجالي التعليم والصحة. ولكن دعني أضع أمام القارئ الكريم ما يحتاجه أي مولود مصري من الدولة بمجرد ولادته، وهو ما تعنى به وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية سواء في استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 أو في الخطط متوسطة المدى والخطط السنوية عند تخصيص الاستثمارات في المجالات المختلفة: وهي :نصيب الفرد من خدمات الدفاع والأمن والعدالة ونصيبه من مياه الشرب النظيفة و الكهرباء والمواد البترولية والصرف الصحي الآمن والطرق والمواصلات المختلفة وما يلحق بها من خدمات، بالإضافة إلى خدمات التعليم والإسكان سواء كان إسكان اجتماعي أو غيره ونصيبه من المحاصيل الزراعية ونصيبه من جميع المبادرات من أول 100 مليون صحة وحتى حياة كريم والأهم الحصول على فرصة عمل لائقة ومستدامة وهو بيت القصيد
نعم نحن نفكر على مستوى الدولة عندما يولد أي مولود كيف سيحصل عندما يكبر على فرصة عمل لائقة ومستدامة باعتبار أن توفير فرص العمل وتوظيف الشباب ومن ثم تخفيض معدلات البطالة هو الهدف الأسمى لعملية التنمية.
أكد أن ما سبق يوجه بوصلة التفكير عند التعامل مع المشكلة السكانية. قد يكون البعض قد سئم من الكلام عن رفع الوعي بخطورة الزيادة المضطردة في عدد السكان بشكل يفوق موارد الدولة المختلفة. لذلك وقبل الحديث عن بعض الممكنات للتعامل مع المشكلة السكانية، من المؤكد أن هناك حاجة لوجود استراتيجية وطنية للسكان تراعي كافة الأبعاد التنموية وبشكل خاص البعد الجغرافي والتفاوت في مستويات الدخول حتى 2035 وينبثق منها خطط متوسطة وأخرى قصيرة الأجل، للتعامل الفوري والجاد مع المشكلة السكانية، فالأبعاد الاجتماعية والثقافية للمشكلة السكانية تحتاج لوقت طويل للتعامل معها والتي تشترك فيها المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية، وهناك أبعاد اقتصادية واجتماعية يمكن التعامل معها خلال الأجلين المتوسط والقصير.
اقترح د.علاء إعداد مشروع قانون لتنظيم الأسرة المصرية – يشارك في إعداده كافة طوائف وفئات المجتمع – ثم يناقش ويتم التوافق عليه بالبرلمان بما لا يتعارض مع نصوص الدستور. وتدور نصوصه حول واجبات والتزامات الدولة تجاه عدد معين من الأبناء – وليكن اثنين – وواجباتها والتزاماتها لما زاد عن ذلك، وبطبيعة الحال يطبق القانون من تاريخ صدوره، ولا يطبق بأثر رجعي، حتى لا يضار أحد وتكون الدولة قد طبقت معايير الشفافية والعدالة عند التعامل مع المواطنين:
كما اقترح جعل مجانية التعليم لطفلين وما زاد عن ذلك يكون لمرحلة التعليم الأساسي فقط وقصر التأمين الصحي الشامل على طفلين فقط وما زاد عن ذلك تتحمله الأسرة، ورفع دعم الكهرباء والمياه والغاز عن الأسر التي يزيد عدد أطفالها عن اثنين، ومضاعفة رسوم كافة الخدمات المتعلقة بالطفل الثالث من أول شهادة الميلاد وحتى رخصة القيادة وما إلى ذلك فضلا على كافة الرسوم على رب الأسرة – حال وجود طفل ثالث – مثل رسوم تراخيص البناء وإدخال كافة المرافق وما إلى ذلك ولا يكون للطفل الثالث نصيب في الإسكان الاجتماعي أو القروض الميسرة وما إلى ذلك
أوضح أن مثل تلك الإجراءات ليست عقوبات بقدر ما هي حوافز إيجابية تصب في مصلحة المواطن أولاً، كما أنها تحقق العدالة الكاملة، فالدولة لم تحرم أحداً من أن يكون لديه أي عدد من الأبناء، ولكن من لديه القدرة على تحمل نفقات الطفل الثالث وما يليه فلينجبه ويتحمل تكاليفه، ومن غير المنطقي إنجاب أكثر من طفلين وأحياناً يصل العدد لتسعة وعشرة أطفال، وعدم الاهتمام برعايتهم تعليمياً وصحياً وغير ذلك، وتصب المشكلة في النهاية لدى الدولة في الحاجة لتوفير فرص عمل لائقة ومستدامة لأشخاص غير مؤهلين علمياً وصحياً ونفسياً لدخول سوق العمل. فالأمر بالفعل يستحق الاهتمام ولا يحتمل التأجيل.
يقول د. حسني الخولي (أستاذ التخطيط والخبير الاقتصادي) إن مصر تعيش حقبة ذهبية تتمثل في محاولة اللحاق بقطار التنمية، ورفع مستوى معيشة مواطنيها بعد فترة طويلة من التجريف أدت إلى تأخر الوطن، وتدني مستوى الخدمات المقدمة لمواطنيه..من منا يصدق أن عدد السكان في مصر ارتفع من 68 مليون نسمة عام 2000 ليصل إلى 102 مليون في 2020 بزيادة تقدر بنحو 34 مليون نسمة، وبما يعادل 50% خلال عشرين سنة فقط. ويبقى السؤال : هل كانت مصر مستعدة لهذه الزيادة الهائلة؟، وهل تستوعبها بنيتها التحتية وما تقدمه من خدمات ؟، وهل الزيادة في معدلات التنمية تواكب معدلات الزيادة في السكان؟
أضاف د.الخولي إن الحكومات لم تدخر جهداً لتنظيم النسل منذ نهاية القرن الماضي، مثلاً .. أطلقت حملة إعلامية شارك فيها معظم الوزارات المعنية وكانت أيقونتها أغنية فاطمة عيد ” حسنين ومحمدين”، وبالرغم من بساطة الفكرة فقد حققت بعض النجاحات. ولابد من التركيز عفي مخاطبة الناس على الحديث النبوي: “إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ”. فليس هناك نفع من مواطن غير متعلم، ومريض، وفقير؟.
أكد أن التجارب الدولية تؤكد على عدم نجاعة الخطط الحكومية في مواجهة المشاكل المترتبة على الزيادة السكانية من فقر وجهل ومرض وبطالة. ما لم تكن تلك الخطط مقرونة بزيادة وعي المواطنين. ولن يتأتي ذلك إلا بتضافر جهود منظمات المجتمع االمدني والمؤسسات الحكومية، من خلال حملات توعوية جادة وعلمية، تستهدف تعميق الثقافة وإشراك المواطن في مشكلات الوطن ووضع حلول لها. ويتزامن مع ذلك توفير وسائل تنظيم النسل بأسعار مناسبة. يلى ذلك دور المجالس التشريعية في سن القوانين التي تحاصر الظاهرة من خلال المنح وليس المنع. كأن يتاح الدعم فقط لعدد طفلين لكل أسرة، وأيضاً الخصم الجزئي في رسوم التعليم والصحة للأسر الملتزمة. ويجب ألا ننسى الدور المهم لرجال الدين في أزهرنا الشريف والكنيسة المصرية.
يقول سعيد محمد قاسم مدير عام المجلس القومي للسكان (فرع القاهرة) إن الزيادة السكانية قضية شغلت كل القادة وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي لا يمر له حديث إلا ويحذر من هذه الزيادة التي تكمن خطورتها فى عدم التوازن بين الموارد المتاحة والاحتياجات المطلوبة مما يؤثر سلبياً على مستوى المعيشة
أضاف قاسم إن أبعاد المشكلة السكانية تكمن في ارتفاع معدل النمو السكاني و سوء توزيع السكان أو التوزيع غير العادل للسكان وتدنى أو انخفاض الخصائص السكانية وزيادة الفجوات بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية.
أوضح قاسم إنه تم إعداد خطة إستراتيجية للسكان 2015/2030 والتى أطلقها رئيس مجلس الوزراء عام 2014 وتستهدف محاورها الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والشباب وصحة المراهقين و التعليم والإعلام والتواصل الاجتماعي وتسعى لخفض معدل النمو السكاني وإعادة توزيع السكان والارتقاء بالخصائص السكانية وتقليل التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين الطبقات و
تمكين المرأة.
وعن حلول مشكلة الزيادة السكانية بطرق غير تقليدية أكد قاسم ضرورة الاهتمام بحياة المواطن المصري و تقديم مشورة على أعلى مستوى للسيدات المتزوجات فى سن الحمل وتقديم التوعية اللازمة للشباب والفتيات المقبلين على الزواج بضرورة المباعدة بين الولادات حفاظاً على صحة الأم والطفل والأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى تقديم حوافز مادية للأسرة التى لديها طفلان فقط، وتقديم حوافز إيجابية للأحياء والمراكز الإدارية والقرى الأقل إنجابا والأقل فى عدد السكان من خلال رصف الطرق وبناء وحدات صحية ومراكز شباب ومكاتب بريد وتوفير وسائل تنظيم الأسرة ذات الفاعلية الأكبر والأطول فى سنوات الحماية للسيدات المتزوجات فى سن الحمل حيث إن سنوات الحماية هى الفترة التى تحمى السيدة من خطر الحمل.