كم مرة توقف ابنك أو ابنتك أمام لعبة أو قطعة حلوى أو أي شيء آخر يريد اقتناءه ورفضت في البداية ليس بخلاً ولكن لحرصك على تربيته بصورة صحيحة.. وكم مرة غلبتك غريزة الأمومة و”الأبوة” لتتجاوز عن القواعد والأصول التربوية بعدم الإستجابة لجميع طلبات أطفالك لأنك بذلك تساهم في إفسادهم ولو بحسن نية ودون قصد.
أكبر خطيئة يقع فيها الأبوان تتمثل في التدليل الزائد والرضوخ لكل طلبات الأبناء، وتبريرنا الدائم والوحيد والجاهز دائماً أنه في مقدورنا الشراء فلماذا نحرمهم، رغم أننا نعلم أن ذلك يخلق شخصاً أنانياً غير قادر على العطاء مثلما يقول ــ ويحذر ــ علماء الإجتماع.
الكثيرون ينشأون وقد اعتادوا على الأخذ فقط طوال فترة الطفولة والشباب ثم نطالبهم فيما بعد بالعطاء وهو أمر يصبح صعباً ولايكون في مقدورهم، فمن شب على شيء شاب عليه، وأول من يدفع الثمن هم الأبوان أنفسهم، ومعهم الأبناء الذين يواجهون مشاكل جمة في حياتهم فيما بعد لنفس ذات الأسباب، وهذا قد يفسر عدم استقرار العديد من الزيجات وتزايد حالات الطلاق..
***
ماسمعناه من الفنان الكبير رشوان توفيق وشاهده الملايين عبر شاشات الفضائيات ليس جديداً أو مفاجئاً ويتكرر في الكثير من البيوت بنفس الطريقة وربما بصورة أكثر بشاعة وقسوة ولكن بعيداً عن الأضواء، فكم من آباء وأمهات يتألمون بسبب جحود الأبناء دون أن يشعر بهم أحد أو تتناقل الفضائيات حكاياتهم المؤلمة.
لن أخوض في تلك القصة المؤلمة التي أحدثت ضجة كبرى وتفاعل معه الكثيرون عبر وسائل التواصل الإجتماعي، بعد أن تم تطييب خاطر الفنان “الأب والجد” حتى لو كان إغلاق الموضوع مؤقتاً أو إعلامياً فقط وبقيت فصول أخرى في الكواليس لأسباب لها علاقة بلم الشمل والتوقف عن التراشق بين أفراد الأسرة الواحدة وهو شيء واجب ومحمود.
ولكن يجب الإستفادة والتعلم من الحكاية سواء بلفت الأنظار الى الخطأ التربوي الجسيم الذي يقع فيه الكثير من الآباء والأمهات بسوء التربية وتلبية جميع طلبات أطفالهم ليتحولوا في المستقبل الى أشخاص غير قادرين على العطاء أو رد الجميل لأبويهم عندما يصلوا لسن الشيخوخة ويحتاجون لأبنائهم ليقفوا الى جانبهم في نهاية العمر.
وكذلك يمكن ــ أو يجب ــ التعلم من درس أو خطأ توزيع التركة قبل الموت، وهو أمر يؤدي الى مشاكل لاحصر لها خاصة إذا مد الله في عمر المورث “بتشديد وكسر الراء” لأنه يؤدي الى اظهار أسوأ مافي الأبناء، فالمال أكبر فتنة في الحياة خاصة في غياب التربية السليمة على أسس أخلاقية ودينية.
ثم أن هناك قواعد شرعية واضحة ومعروفة لتوزيع الميراث بعد الممات تحفظ الحقوق وتزيل الأحقاد، ولايوجد مبرر للإستعجال ووضع الأبناء أمام هذا الإختبار الصعب والذي يؤدي الى ظهور مشاحنات وصراعات لاتنتهي داخل الأسرة الواحدة.
***
كلنا نقع في ذات الخطأ الذي وقع فيه الفنان رشوان توفيق وكلنا نحتاج الى تصحيح أو إعادة النظر في طريقة تربية أبنائنا بصورة تجعلهم أسوياء في تعاملهم مع الأبوين والأزواج ومع المجتمع بصفة عامة.. إننا نصنع جبل جليد بأنفسنا ثم نعاني طوال العمر من النتيجة الطبيعية والمنطقية لما غرسناه بأيدينا وأمضينا عمرنا ننمي فيه حتى أصبح يستعصي على الحل.
تغريدة:
ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحم
“عبد الحميد جودة السحار”