بقلم : د. سليمان عباس البياضي
(باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية عضو اتحاد المؤرخين العرب)
………………………………..
ما أجمل لغة الحضارة التي تفوقت على بقية اللغات العالمية، ولنا حق أن نعتز ونفتخر بها ؛ لأنها لغة القرآن الكريم التي حافظت على مرونتها وحيويتها أمام اللغات الأخرى , ولقد تأثر الغربيون –وخاصة الشعراء الأسبان- بالأدب العربي تأثرًا كبيرًا , فقد أدخلوا أدب الفروسية والحماسة إلى الأدب الغربي, عن طريق الأدب العربي في بلاد الأندلس خاصة, فتأثروا بألفاظها, بينما أصبحنا نحن العرب اليوم نتوارى منها, ونقلل من شأنها, ونتشدق باللغات الأخرى, فنجد أن هذه اللغة لها خاصية لا توجد في باقي اللغات العالمية وهي البقاء , وجمال الأسلوب, فنجد
هناك آية في القرآن الكريم احتوت على حروف اللغة العربية كلها , وهذا دليل على الإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن , وهي آخر آية في سورة الفتح ويقول الله تعالى: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح: 29.
إن عباقرة الأدب في أوروبا في فترة العصور الوسطى قد تأثروا بجماليات اللغة العربية المختلفة , مثل : التأثير في القصة الأوروبية , ومن المؤسف أن نجد العديد من بني جلدتنا يحاربون لغة القرآن وأدبها, فنجد – مثلًا- العديد من الكلمات العربية انتقلت إلى اللغات الأخرى, مثل: اللغة الإنجليزية, واللغة الهندية, واللغة الفارسية, واللغة التركية.
ويقول المستشرقين جاك بيرك “اللغة العربية لغة المستقبل ولا شك أنه يموت غيرها وتبقى حية خالدة”، وفي هذه الأيام تنتشر مظاهر الضعف في اللغة العربية عند العديد من المتخصصين والمثقفين, وبدأت تتوارثه الأجيال , فنجد من المتخصصين من لا يجيد قراءة القرآن قراءة صحيحة ؛ لأنهم ابتعدوا عنها, ومن المؤسف أن نجد مظاهر الضعف قد انتشرت في المراحل الدراسية المختلفة، حتى في الجامعات نجد من الأساتذة الكبار من يرتكب أفظع الأخطاء عند النطق بها، وأصبحنا كمسلمين نفتخر باللغات الأجنبية ، ونفرح لأننا نحفظ العديد من المصطلحات الأجنبية متباهين بها أمام الآخرين, كذلك التردي الذي لحق بحالة اللغة وصل إلى أئمة وخطباء المساجد – إلا من رحم ربي- فأصبحوا يرفعون المجرور, ويجرون المرفوع, وهذا كله يهدد مستقبل الأمة ومسخ هويتها.
وهذه مؤامرة عليها لتفريغ محتواها, وهو هدف من أهداف الأعداء للقضاء على لغة القرآن, فلقد وضعوا من ضمن أهدافهم أن يُذل المسلمون, وتضعف لغتهم لارتباطها بالقرآن الكريم, الذي هو دستور الأمة الأعظم, وهوالمحورثلاثة وعشرون عامًا, فالمستعمر أراد طمس هوية الأم من خلال الغزو الثقافي والفكري, إلا أن لغة القرآن الكريم هي لغة مقاومة للاستعمار منذ القدم, وتمتلك رؤية واضحة, ورسالة سامية, ولقد أصبحت اللغة العربية في خطر لا من أعدائها لكن من أبنائها.
وتقول المستشرقة ألمانية زيغريد هونكة “كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة و منطقها السليم وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعي سحر تلك اللغة”، كما يقول المستشرق جون فرن “إن مستقبل الأدب فى العالم العربى هو اللغة الفصحى وحدها الزاخرة بالثروة والغنى والتراث وليست اللهجات العامية بلغة كيانية بل هي تحريف وتشويه للفصحي ولن تتمكن هذه اللهجات إطلاقاً من اجتياز جدار التراث والفصحى .
واللغة العربية بها 16 ألف جزرًا لغويًا متفوقة على كل اللغات، وصل عدد مفردات اللغة العربية دون تكرار إلى 12مليون كلمة، وهي ساحرة البيان, وجنة القرآن، ومحراب العلم والعلماء وبل هي صاحبة الفكر الناضج والوعي الراقي، وأساس هويتنا ومستقبل أبنائنا, من يتحداها قهرته, ومن يتعداه أرجعته, هنيئًا لمن يتذوق جمالها, ويستمتع بلذتها, ويتعلم من فنونها وكتاباتها, فيجب علينا أن نضع حدًا لمن يتطاول عليها, ولابد أن تهتم بتدريسها في جميع المدارس والجامعات, ونعطيها جزءًا مناسبًا من اهتماماتنا, حفظ الله اللغة العربية, ومتعنا الله بخلودها، فى النهاية لغة الضاد سيدة لغات الكرة الأرضية وأساس الحضارات البشرية وجوهرة الثقافات الإنسانية، يالها من لغة القرآن.
في النهاية لغة الضاد عنواننا،وهويتنا،وحضارتنا وثقافتنا، وتراثنا، سيدة لغات الكرة الأرضية وأساس الحضارات البشرية وجوهرة الثقافات الإنسانية.