بانت لبّتها هو التعبير الشعبي عن الواجهة التي تخفي واقعًا مغايرًا. الصورة الجميلة التي تشحب في أضوائها وظلالها صور المنافسة الرياضية بين فرق الدوري الممتاز لكرة القدم.
لعلك تذكر تخوفي – في هذه المساحة – من أن يتحول الدوري الممتاز إلى دوري للشركات.
لم تكن كلماتي رفضًا للأنشطة الرياضية في الشركات، فالعاملون فيها من أبناء هذا الوطن، ومن حقهم أن تكون لهم أنديتهم الاجتماعية، والرياضية بالتالي، وبالذات في ظل المبالغ الفلكية التي تتقاضاها الأندية الكبرى من طالبي العضوية.
بتعبير بسيط، فإن الأندية الشعبية تدفع من لحمها الحي للاعبي فرقها الرياضية. قد تضطر إلى فك لاعب موهوب بثلاثة، أو أربعة لاعبين، سدًا لاحتياجاتها المادية، وهو ما صرح به رؤساء الإسماعيلي والاتحاد السكندري والمصري تبريرًا لتنازلهم عن أعمدة مهمة في فرقهم. أما أندية الشركات فإن مسئوليها يعلنون – بالفم المليان – أن الفلوس لا تشغلهم، ثقة من استطاعتهم تدبيرها بميزانية الإعلان. إنها تنفق مبالغ هائلة على الترويج لبضائعها، وهو ما يتحقق بمبالغ أقل، تنفق على تكوين فريق كرة، يحصل لاعبوه على أعلى المكافآت.
أنت تتابع مباريات فريق الشركة، في الملاعب، وفي التليفزيون والإذاعة، وتقرأ الأخبار والنحقيقات والتحليلات التي يتبادلها من جعلوا الكرة خبزهم وغموسهم، فسيرة دوري الكرة لا تنتهي، واسم الشركة – بالطبع – قاسم مشترك في ذلك كله.
تعددت تصريحات المسئولين عن فرق الشركات، وإن اتفقت في المعني: نحن لن نعيد حكاية الفرق التي تصعد لتهبط، بل جئنا لننافس على المربع الذهبي!
اعتدنا – في الأعوام السابقة – أن يظل الأهلي والزمالك على قمة الدوري، زاحمهما –من فترة قريبة– نادي بيراميدز بإمكاناته الخليجية. بقية الأندية تتنافس – فيما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية – على المتبقي من المربع الذهبي، زائد المراكز من الخامس إلى الثلاثة الذين يتهددهم الهبوط إلى دوري الدرجة الأولى.
راجع قائمة ترتيب الدوري. لم تعد المشكلة مقصورة على سيادة الزمالك والأهلي، فقد جاوزتها إلى الأندية الشعبية التي يجب أن تواصل انزلاقها – لقلة الإمكانات – لتستقر في آخر الجدول، بينما أندية الشركات تنافس – بفلوس إعلاناتها – على المربع الذهبي.
إخفاق الأندية الشعبية في الدوري الممتاز مبعثه عوامل عديدة، منها نقص الإمكانات، واحتياج الأهلى والزمالك إلى نجوم الأندية الأخرى، يلزمون الدكة، أو يعارون للأندية الشعبية، ثم يعودون بعد أن يظهروا تفوقهم – فترة تجهيز يعني – أو ينسحبون مع النسيان إلى حيث ألقت!
عندما خرج المدرب الأجنبي كيروش عن قاعدة الأهلي والزمالك كقوام أساسي للمنتخب، بإضافات من الفرق الأخري، فإن مشجعي العناتيل والعتاولة – تسمية نجيب المستكاوي – أعلنوا الرضا وااسخط على المنتخب الوطني باختيارات كيروش من لاعبي الفريقين. هو مخطيء لو أن كفة الميزان مالت لحساب أحد الناديين!. زادوا فعابوا على المدرب اختياراته للاعبين مجهولين، وإن حثوا ناديي امتصاص المواهب على شراء اللاعبين بما يؤكد أن اختيار المدرب الأجنبي لم يكن خاطئًا!
أعيب على الفرق الشعبية تخليها عن الناشئين، إعدادهم بحيث تدفع بهم – بعد نضوج مواهبهم – إلى فرق الكبار، بمعنى أن يبدأ اللاعب في النادي من الصغر، فهو ابن النادي، يدين بالولاء له، ويسد احتياجاته في عمليات الإحلال والتجديد. أذكرك بنجم المصري محمد بدوي الذي استعاره الأهلي في مبارياته مع الفرق العالمية، ونجوم الإسماعيلي رضا وشحتة والعربي وميمي درويش الذين صعدوا من فرق الأشبال، ثم ارتقوا بناديهم إلى الدوري الممتاز، وثمة نجوم الاتحاد السكندري: أحمد صالح وفؤاد مرسي والخواجة ولطفي وطلعت ومحمد جابر والبابلي وغيرهم ممن استعادوا مكانة ناديهم بعد أن أحزن الإسكندرية هبوطه إلى الدرجة الأولى.
ذلك ما واجهته فرق المنيا وأسوان والمنصورة ودمنهور وطنطا والشرقية ( هل تذكرها؟ ) حين عجزت مواردها المالية عن مجاراة الأندية الثرية في مكافآت اللاعبين!
همس محمد مصيلحي بالعتاب لجمهور نادي الاتحاد: لماذا لا تقبلون على مباريات النادي؟
ازدحمت صفحات الفيس بوك بالسؤال المقابل: لماذا ندفع،من مواردنا القليلة، مائتي جنيه قيمة تذكرة المباراة الواحدة؟!
جاوزت الشركات هذه المشكلة باختراع جمهور، تنفق عليه ليشجع ويصفق ويغني، كأن جماهيريتها بحق وحقيق!
الإنفاقات التي ترصدها الشركات من ميزانياتها للإعلانلا تستهدف المشاركة في الأنشطة الرياضية، بقدر الرواج الدعائي لهذه الشركات.
ولا يخلو من دلالة أن يتعادل فريق صاعد لإحدى الشركات مع فريق النادي الأهلي، ويتغلب فريق شركة أخرى على فريق الاتحاد السكندري. البركة في شراء لاعبين بأعلى المكافآت ليتحقق بهم شيئان: دفع الفريق إلى المقدمة، والإعلان عن اسم الشركة في كل وسائل الإعلام!
أعيدوا دوري الشركات. دعموا أنديته بما شئتم من الإنفاقات الدعائية، مع أمنياتنا في أن تعد فرقها الرياضية كإعداد المقاولين وإنبي وغيرها من الأندية التي تدرك قيمة الرياضة، وأنها ليست مجرد واجهة، أو وجاهة، إنما هي مدارس يتخرج فيها المئات من الشباب، بل إنها مصدر مهم للقطبين الكبيرين الأهلي والزمالك، والأسماء يخطئها العد.
*