في رحلة البحث عن كل ما هو جميل في دنيا الفن والدراما،انتهيت مؤخرا من مشاهدة الحلقة 35 والأخيرة من مسلسل (خيط حرير) للكاتب والسيناريست د.محمد سليمان عبدالمالك ،والذي جاء بعد النجاح الهائل لمسلسله ” ممالك النار”،الذي أثار جدلا واسعا، بين النقاد وصناع الدراما.
من جديد يعود عبد المالك بمسلسه المتميز “خيط حرير” في قالب درامي اجتماعي شيق جاء مسلسه المتميز (خيط حرير) بعد أن قدم باقة من الأعمال والإطلالات الدرامية المتميزه من بينها وعد ومليكه والحصان الأسود ورسايل واسم مؤقت وفرق توقيت وقصرالنيل، وأعمال أخري عديدة.
المسلسل يرصد طغيان القيم المادية في هذا العصر المتقلب، والتوحش الوجداني للأثرياء،والفجوات بين الطبقات وضياع الحب بين خضم وزخم الحياة.
ويعود بنا المؤلف تدريجيا لزمن الفن الجميل ،الذي يحاكي متغيرات المجتمع ، ويغوص في أعماقه، ليرصد أوجاعه وهمومه وتطلعاته.
كما يذكرنا بالأعمال الأدبية الراقية، التي قدمت قوالب درامية رصينة ، مثل رائعة أسامة أنور عكاشة “الحب وأشياء اخري” ، بطولة آثار الحكيم وممدوح عبدالعليم وقصة فيلم ‘انا لا أكذب ولكني أتجمل ” للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، والأداء المتميز للفنان للراحل أحمد زكي ،والذي تألق في قصة مشابهة تتناول حالة الحب ، ولعنة الفوارق الإجتماعية في فيلم “إضحك الصورة تطلع حلوة “،وغيرها.
وهذا يشي بأننا أمام كاتب واعد ، يجيد توظيف شخوصه وأدواته الإبداعية، كما يجيد القراءة المجتمعية ، وما يموج به من مشكلات، وتدور أحداث المسلسل حول فتاة تنتمي لأسرة فقير، تدعي “مسك”، ولا تملك من الدنيا سوي الكبرياءو عزة النفس وتحاول مساعدة والدها في نفقات المعيشة، وتبحث عن فرصة عمل ويتم تعيينها في إحدى شركات كبار رجال الأعمال، ومع الأيام تجمعها قصة حب مع حازم ابن صاحب الشركة،ويتزوجها سرا بدون علم والدته التى تريد تحاول عرقلة استمرار هذا الزواج خاصة بعد علمها بحمل “مسك” ثم تنقلب على ابنها وتمنعه من السفر ويعود لها وتقوم بإجهاض مسك واستئصال الرحم عن طريق دكتور مجدى ،وتتصاعد الأحداث حيث تعود مسك بعد ما أصبحت من الأثرياء لتحاول الإنتقام .
وتدور أحداث العمل في إطار درامى اجتماعى لا يخلو من التشويق ،وهو من إنتاج تامر مرسى وإخراج إبراهيم فخر.
المسلسل يضم كوكبة من فناني الدراما المتميزين، من أجيال مختلفة ،وعلي رأسهم الفنانة مى عزالدين التي جسدت ، باقتدار الشخصية المحورية التي درات حولها الأحداث (مسك) والفنان، محمود عبدالمغنى في دور (على)، ونيقولا معوض(حازم) ، ومى سليم(سوزان)، وهنادى مهنى(شيرى)،ومحمد علي رزق(د.مجدى)، والفنان القدير احمد خليل رحمه الله (عصمت) والنجمة سوسن بدر في دور (رجاء)،ومحمد سليمان(محسن)،ولبنى عزت(سماح)،وياسمين رحمى(زينب)، والفنان القدير احمد صيام(فؤاد)، صفاء الطوخى(سلوى)،وولاء الشريف(مروة)،و علاء الحسينى(مصطفى)،و
يوسف عثمان(رامز)،ونجمة الدراما الفنانة حنان سليمان(تهانى)، وعدد من الفنانين الشباب.
وقد حظي المسلسل ، بمعدلات مشاهدة ومتابعة عالية.
ولعل تركيز المؤلف علي رصد الصراع الحياتي ، سواء من أجل المال أو العاطفة، أو من أجل السلطة، جعله قريبا من الواقع ومن قلوب المشاهدين ، ففكرة الحياة وتشابك أحداثها ونزاعتها، مبعثها وفلسفته الأساسية فكرة المنافسة ، وفرض القناعات، وتحقيق الذات.
وفي هذا السياق جاءت من قبل فكرة مسلسل ( ممالك النار) للمؤلف ، والتي ألقت بحجر وربما بصخرة كبيرة في بحيرة التاريخ المترامية الأطراف، وأحدثت حالة فكرية حوارية وتساؤلات جمة ومتنوعة.
ولعل ما زاد الجدل والزخم حول المسلسل التزامن الوقتي مع تحركات تركيا المريبة التي ارتدت ثيابا استعمارية جديدة، بعد أن طرحت زمنا فكرة المشروع الحضاري الاسلامي وتعاطف كثيرون معها بغية الامل في عودة الخلافة الاسلامية، بأية صورة !
ولقد بات جليا أننا بحاجة لقراءة التاريخ بعيون موضوعية حكيمة راشدة بعيدا عن ظلال السياسة ..قراءة متعمقة متوازنة وبرؤي نقدية تعي كافة الدروس دون تهوين او تهويل فمن يجهل القراءة الدقيقة للتاريخ لن يفلح في التعامل مع معطيات الواقع ولن يستطيع بناء أو مجرد استشراف تصورات وسيناريوهات المستقبل.
وربما هذا ما أراد أن يقوله عبدالمالك في ممالك النار، ويحرك من جديد ركود الدراما الإجتماعية الهادفة، بفكرة مسلسل ” خيط حرير”، والذي قد يراها البعض ليست بجديدة، لكن حرفية الكتابة ، والأداء المتميز لأبطال المسلسل ، أضفي إبداعا جديدا ومحاكاة عصرية لقصة اليوم والغد والأمس في دنيا دراما الحياة المتباينة.