بقلم: عثمان الدلنجاوي
امتاز الريف في أدبياتنا بالبساطة والهدوء والبعد عن الصخب والبذخ ..لكن هذه الحال تغيرت وتبدلت فلا القرية صارت منتجة كما كانت في الزمن الجميل ولا باتت حارسة على القيم ولا مخزونا للابداع والعطاء بل اصبح اغلبها عبئا على الدولة وساءت فيها الاخلاق لدرجة تنذر بالخطر.. وهو تغير غير محمود.. لقد ابتدع أهلنا في الريف (ولست أبريء نفسي بالطبع) طقوسا وعادات جديدة في تزويج الأبناء مثلا’ وجعلوا للعزال ( بكسر العين وفتح الزاي) اي نقل جهاز العروس من منزل أبيها لمنزل زوجها حفلا خاصا تسبقه “دخلات” وفقرات احتفالية وينقله أسطول سيارات يطول أو يقصر حسب قدرة كل فرد وسعته’ ويدعى إليه المعازيم من أهل القرية وربما القرى المجاورة ..وقد يكون “هذا العزال”عندهم أهم من حفل الزفاف ذاته؛ ذلك أن “العزال” تتفاوت مظاهره بحسب قدرة أهل العروس على شراء ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الأجهزة الكهربائية والمنزلية وبعض الموبيليا التي يسرف البعض رغم فقره وحاجته في الاستدانة لشراء جهاز لابنته نقدا أو بالتقسط لئلا يكون أقل من فلان أو علان من أهل قريته؛ مكلفا نفسه ما لا تطيق مستدينا مبالغ طائلة تفوق قدرته على السداد’ مورثا نفسه هما بالليل وذلا بالنهار في مخالفة صريحة لنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم “أكثر الزواج بركة أخفه مؤنة”..فأي شقاء أعظم من هذا؟!
ما يؤسف له حقا أن الرجل يجد نفسه مغلوبا على أمره منصاعا لرغبة زوجته أو ابنته في شراء ما يفوق حاجة ابنته وزوجها من ماعون المطبخ وأجهزة المنزل
“العزال” في القري صار فرحا قائما بذاته له طقوسه واحتفالاته ومظاهر المباهاة والفخر وهو احتفال مرهق للجميع أهل العروسين والمدعوين ذلك أنه غالبا ما يكون بعد صلاة الجمعة في لظى الظهيرة أو بعد العصر في لهيب الحر وحمأته
ورغم أن الدين يسر و ما خير (بضم الخاء وتشديد الياء مع كسرها) رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما عملا بقوله تعالى “ما جعل الله عليكم في الدين من حرج” لكن الناس يكلفون أنفسهم ما لا يطيقون أموالا واحتفالا واستهلاكا للصحة وتبديدا للوقت والعمر لدرجة أن ثمة من يشتري لحماة ابنته بمثل ما اشترى لابنته من جهاز..وهنا ينتحر العقل والمنطق وتسود الفشخرة ..فإذا ما كتب للزيجة الفلاح والاستمرار تحمل الأهل أوزار البذخ وديون الفرح وتبعاته..وإذا فشلت وجد الطرفان(الزوج والزوجة)أنفسهما خلف القضبان وتبددت الفرحة الحقيقية وزهقت روحها تحت سعار التنافس والتباهي بالسعة واليسار !!
ما يدعو للدهشة والحيرة حقا أن “العزال” صار أهم عند أغلب أهلنا في القرى من حفل الزفاف يلام عليه من تخلف عنه بعذر أو بغير عذر!!
الناس ابتدعوا الشقاء لأنفسهم بأنفسهم ونسوا أن الله أمرهم بالدعاء بقوله”ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به”..يا اهل القرى رفقا بانفسكم فمن يسر يسر الله له ومن عسر عسر الله عليه ..عودوا بربكم ونهج نبيكم تجدوا البركة من حولكم وكفى ما نزل من البلاء والوباء..فهو آية لكم إن كنتم مؤمنين.
للموت حرمة..وللحزن جلال ووقار ..وانما جعل العزاء للمواساة والمساندة وتخفيف مصيبة الفقد عن اهل الميت ..وهل بعد الموت مصيبة..اما ان يتم تصوير حفل العزاء بكاميرا تصوير يحملها المصور على كتفه متجولا بين المعزين راصدا من حضر وكأنه في صالة أفراح..فذلك استهانة بالموت وانشغال عن العظة ما انزل الله به من سلطان..فما الفائدة من تصوير “العزاء”..ولماذا قست القلوب وخلت من الخشوع والاعتبار..اليس وباء كورونا رسالة من الله للبشر ..تقول بوضوح..ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” فهل بمثل هذه السلوكيات نرجع إلى الله ونرضيه..ام اننا سادرون في الغي بلا عقل ولا ضمير .
كان حريا بنا ان نستقبل قضاء الله بالتأمل والعظة والشكر فنقلل الاختلاط ونرشد الإنفاق ونحسن إلى المساكين والفقراء والمحتاجين ونتضرع إلى الله لعله يرحمنا ويرفع عنا الوباء ..اللهم رد الناس إليك مردا جميلا..ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا..،؟!