موضوع السحر والجن أو بالأحرى تسخيره للقيام بأشياء ومهام معينة سواء كانت سلبية أو إيجابية، يأخذ مساحة كبيرة من تفكيرنا ويشغلنا كثيراً معشر المصريين وربما الأشقاء العرب بشكل عام، فنحن في الهم “عرب”.
صحيح أن الجن ورد ذكرهم في القرآن الكريم ولايمكن لأحد انكار وجودهم ولكن باعتبارهم من مخلوقات الله عز وجل، لهم ناموسهم الخاص وأسلوب حياتهم الذي لايعلمه إلا الله، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك مثلما أخبرنا المولى عز وجل، وبالتالي فإن الزج بهم في الكثير من الموضوعات دجل في دجل.
هذا العالم المثير، وأقصد عالم الدجالين ــ وليس الجن ــ يتطور باستمرار مع تطور الزمن، وماكان يصلح مع السابقين لاينطلي على الأجيال الجديدة بما تمتلكه من أدوات ووسائل حديثة لم يكن يتخيلها المشعوذون في الماضي والذين قدمتهم أفلام الأبيض والأسود في “كاركتر كوميدي” بملابسهم المضحكة ومبخرتهم الكلاسيكية “لزوم الإثارة”.
أهم شيء يعتمد عليه الدجالون قديماً وحديثاً وفي كل أوان وزمان هو حالة التصديق المشوبة بالخوف من ذلك العالم السفلي المجهول، حتى أن بعض الضحايا ــ خاصة السيدات ــ يرتكبن كوارث أخلاقية وهن تحت تأثير الموقف بما يحيط به من أجواء، والذي قد يتطور الى استخدام القليل ــ أو الكثير ــ من المخدر حتى يصبحن لقمة سائغة ويستجبن لأي طلب.
وبما أن الدجالين يسايرون الموضة ــ كما ذكرت ــ فقد تزايد الحديث مؤخراً عن السحر بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي، بمعنى أنك يمكن أن تتعرض للأذي بمجرد قراءة كلمات أو طلاسم أو حتى مشاهدة صور معينة في بوست على الفيس أو تويتر أو أنستجرام.
احدى السيدات بعثت لي برسالة تبدي فيها قلقها على ابنتها حيث تعتقد أنها تتعرض لمثل هذا النوع من السحر.. قالت إن ابنتها ظلت مخطوبة لمدة عامين وتم فسخ الخطبة مؤخراً ويحاول خطيبها ايذاءها، خاصة وأنه تحدث مراراً في السابق عن خادمة من جنسية أفريقية تعمل في منزل أسرته وتقوم بمثل هذه “الأعمال” .
الفتاة ــ والكلام لوالدتها ــ وصلتها رسالة على الإنستجرام ” من مجهول” مرفق بها صور فتيات سمراوات ومكتوب عليها عبارة تخشى تكرارها أو التلفظ بها بعد أن تملكها الرعب، ثم بدأت تأتيها كوابيس مفزعة تتضمن صور نفس الفتيات، والأغرب أنها شاهدتهن في الحقيقة عند خروجها من المنزل.
بحثت على الإنترنت عن قضايا مشابهة فوجدت الكثير من الحكايات والقصص والتي تبدوا وكأنها حقيقية، بما يؤكدة أنها موضة جديدة للتأثير على الفتيات أو بالأحرى ابتزازهن، فمعين الدجالين لاينضب وحيلهم لاتتوقف مع التطوير والتحديث باستمرار العصر.
وأتذكر قصة مشابهة حدثت معي منذ أكثر من ثلاثين عاماً وان اختلفت التفاصيل والأهداف.. كان وقتها قد ذاع صيت “الشيخ مجدي” الذي يعالج جميع الأمراض بواسطة احدى ملكات الجن ــ مثلما قال ــ وتأتيه أفواج المرضى من كل حدب وصوب، من داخل وخارج البلاد.
وبعيداً عن التفاصيل الكثيرة والمثيرة، فقد توجهت اليه وتحدثنا في جلسة طويلة ومنفردة بعيداً عن طوابير المرضى، وأثناء حديثي معه باغته بطلب استئذان ملكة الجن لأتحدث معها بصورة مباشرة وتوقعت أن يرفض متعللاً بأي شيء لكن المفاجأة أنه ــ أو أنها ــ تحدثت معي بصوت أنثوي واضح لدرجة أصابتني الحيرة والإرتباك.
وبعد حديث طويل أخذتني فيه الى عالمها عبر تساؤلات كثيرة من جانبي وردود واضحة وسريعة وواثقة منها، لأخرج من الحوار وفي نفسي العديد من التساؤلات: هل أجريت فعلاً حديثاً صحفياً مع ملكة من ملكات الجن؟!.. وهل يمكن أن يحدث هذا الأمر.. أم أنني تعرضت لسيناريو شديد الحبكة من دجال محترف؟ّ!.. ولماذا لم يرفض الحوار من الأساس ان كان يخشى افتضاح أمره، متعللاً بأن طبيعتنا المختلفة تحول دون ذلك؟!
وبدد هذه الحيرة د. السيد رزق الطويل العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر الشريف ــ رحمه الله عليه ــ والذي قال لي بالنص “معقول نترك هذا التقدم العلمي المذهل ونحن في القرن العشرين ــ كنا في القرن الماضي ــ وننتظر أطباء من مملكة الجن.. مضيفاً: الموضوع كله دجل حتى لو تغيرت الأصوات”.
وأستعيد تلك العبارة من أحد كبار أساتذة العلوم الإسلامية لأرسلها للسيدة السائلة، فالموضوع في تصوري ليس أكثر من دجل ولكن بأسلوب عصري.
أيمن عبد الجواد