كتب-عبدالقادرالشوادفى
قال الدكتور عبدالقادر سليم مدير عام الدعوه بمديريه أوقاف كفرالشيخ من أجل نعم الله تعالى على عباده نعمة الأرض التي فرشها بين أيديهم وجعلها قرارا، وأجرى في مناكبها عيونا وأنهارا، فأنبتت زروعا وثمارا، بعد أن أرسل الله السماء مدرارا، ولا يمكن للإنسان الذي شرفه الله بإستخلافه في الأرض، وحمله مسئولية عمارتها أن يعيش فوقها، إلا إذا قام بهذه الرسالة السامية، وذلك بالعمل المتواصل على إستخراج كنوزها وخيراتها، و إستغلال مكنوناتها، وهذا لايتأتى له إلا بواسطة زراعتها وغرسها بجد ونشاط دائمين لعله يقوم بالأمانة الثقيلة التي حملها، وهي المشي والسعي في ارجاء الأرض بحثا عن الرزق الذي ضمنه الخالق عز وجل للمشتغلين العاملين السالكين منها سبلا فجاجا.
أضاف الدكتور عبدالقادر سليم، الآيات القرآنية التي تتحدث عن الزراعة كثيره،ولقد وردت عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونصوص فقهية تحث كلها على الإنشغال بالزراعة والغراسة، وتبين فضلها ومكانتها في الشريعة الإسلامية التي أتت لخير الدارين، والتي دعت إلى التوازن بين مطالب الروح ورغبات الجسم في وسطية يتميز بها النظام الاقتصادي الإسلامي، ومن تلك الآيات ما يلي:
أولا: ورد في سورة “عبس” وفيه لفت الأنظار إلى نعمة الله بإعداد الأرض للزراعة بواسطة نزول المطر، فقال تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)﴾. الآيات: من 24 إلى 32.
ولا شك أن الزراعة والغراسة يمثل كل منهما في عصرنا الحاضر إحدى الركائز الاقتصادية لأي شعب يطمح في الازدهار الاقتصادي، وزيادة الدخل الوطني، والاكتفاء الغذائي الذاتي.
ثانياً: قوله تعالى في سورة “يس”: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥)﴾ الآيات: 33-34-35.
قال ابن كثير: “ومن المظاهر الدالة على وجود الصائع وقدرته التامة و إحيائه الموتى، الأرض الميتة” أي كانت هامدة ميتة لاشيء فيها من النبات، فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾، أي جعلنا رزقا لهم ولأنعامهم، وقال: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥)﴾، أي جعلنا فيها أنهارا سارحة في أمكنة يحتاجون إليها، ولما أمتن الله على خلقه بإيجاد الزروع لهم عطف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها، وماذلك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم لابسعيهم ولا بكدهم ولا بحولهم وقوتهم فتكون (ما) في قوله: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) للنفي، ولهذا قال تعالى: (أَفَلَا يَشْكُرُونَ)، أي فهلا يشكرونه على ماأنعم به عليهم من هذه النعم التي لاتعد ولاتحصى، وجزم ابنة جرير بأ ن (ما) اسم موصول بمعنى الذي تقديره “لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ”، أي غرسوه ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ا بن مسعود رضي الله عنه: “لياكلوا من ثمرة ومما عملته أيديهم أفلا تشكرون”.
ثالثاً: من الأيات التي ذكر الله بها عباده، ولفت أنظارهم إلى نعمة الأرض وتسخيرها لهم بإعدادها للزراعة قوله تعالى في سورة الملك: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ آية: 15، وقال إبن كثير: “يذكر الله نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليلها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لاتميد ولاتضطرب بما جعل فيها من الجبال، أنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيا فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، ولهذا يجب المشي والسفر في أقطارها، والتردد في ارجائها في انواع المكاسب والتجارات، بحثا وسعيا في طلب الرزق، إلا أن هذا البحث والسعي لاينفع إلا أن ييسره الله لكم، ولهذا قال تعالى: (وكلوا من رزقه وإليه النشور) فالسعي واتخاد السبب لاينافي التوكل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا” رواه أحمد والترميذي وابن ماجة والنسائي عن عمر بن الخطاب، فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل وهو المسخر المسير المسبب، وإلى الله النهاية المرجع يوم القيامة”.
أما القرطبي فقد قال في تفسير هذه الآية: “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا”، “أي سهلة تستقرون عليها، والذلول المنقاد الذي يذل لك، والمصدر: الذل، وهو اللين والانقياد، أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة، وقيل: أي ثبتها بالجبال ليلا تزول بأهلها…وقيل: أشار إلى التمكن من الزرع و الغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار…”.
ونعمة تسخير الله الأرض للإنسان يجب أن يقابل بالشكر، وذلك بالمحافظة عليها، والمحافظة عليها تكون بعدم تلوثها وإت لاف منافعها حتى تظل-كما أرادها الخالق-صالحة للاستغلال والانتفاع، قال تعالى في سورة “الأعراف”: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ الآية: 56.
لا يمكن للإنسان الذي حمل هذه الأمانة الثقيلة والمسؤولية الكبرى أن يقوم برسالة عمارة الأرض واستخراج كنوزها، والمحافظة على هذه البيئة نقية صالحة من هواء ومياه وأشجار ونباتات…إلا إذا واصل شكره العملي على هذه النعم ة لعله يضمن المزيد من خيراتها وبركاتها.
رابعاً: ومما ورد في القرآن من التنويه بالزراعة قوله تعالى في سورة “الذاريات“: ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾، الآية: 48، أي أي بسطناها ومهدناها بين أيديكم ليسهل عليكم العمل فيها والانتفاع بثمراتها وخيراتها، وفي آية أخرى من سورة “يس”: ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥)﴾، أي أن الله تعالى إنما أجرى العيون والينابيع في الأرض لتسقي بها الأراضي الزراعية، ثم تجني من ثمراتها وتنتفع بغلاتهاوقد ذكر الله ذلك في صدد الامتنان على البشر وتذكيرهم بالنعمة، وشكر نعمة الأرض إنما يكون بالإنفاع بها لابإهمالها على مرأى من المنعم، أي أن شكر نعمة الأرض التي فرشها الخالق تحت أرجلنا، وأجرى في جنباتها العيون والآبار القريبة من متناول أيدينا إنما يكون بالحرث والسقي والزرع والغرس. مع إستعمال جميع الوسائل العصرية حتى تعطي إنتاجها أطيب، ومحصولا أغرز وأكثر، وكذلك زكاة ما تنبته منها، قال تعالى في سورة “البقرة”: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾، الآية: 267.
“ولا يخفى أن زيادة الإنتاج الفلاحي وجودته إنما تكون باختيار التربة الصالحة لأي نوع من الإنتاج، وذلك يتوقف على تحليل التربة بالوسائل العلمية واستعمال الأدوية لحفظ الثمار والنباتات من الآفات التي تمنع إنتاجها، كل ذلك مطلوب لتكميل عملية الزرع والغرس حتى يسلم الإنتاج ويتضاعف المحصول، فينتفع الناس بذلك على أكمل وجه وأحسنه، ويجازي الله بفضله الزارعين والغارسين بقدر كثرة إنتاجهم وجودته.
خامساً : أشار القرآن الكريم إلى إحياء الأرض وزراعتها بالماء فقال تعالى في سورة فضلت: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير)، الآية 39، والأرض الخاشعة هي اليابسة، وإحياء الأرض أن يستخرج منها عينا و يسوق إليها الماء حتى تنبت وتزدهر.
أشار الدكتور عبدالقادر سليم، وردت أحاديث كثيرة تحثنا على الزراعة منها ما يلي:
أولا: روى الإمامان البخار ي ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لايزرع مسلم زرعا غرسا فياكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”، وفي حديث آخر: “ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله من الأجر قدر مايخرج من ثمر ذلك الغرس، وفي رواية مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ماأكل منه له صدقة، وما سرق له منه صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، ولا ينقصه أحد إلا كان له صدقة”، وهذا فضل كبير للغارسين والفلاحين، فهم يجنون أولا مختلف أنواع الإنتاج الفلاحي، وثانيا يكون لهم الجزاء ألأوفى في الأخرة، حيث يثيبهم الله من فضله على مابذلوه من جهد، وعلى ماساهموا به من رفع للمحصول الفلاحي، وكذا على مساهمتهم في الازدهار الاقتصادي وزيادة الدخل الوطني والاكتفاء الغذائي الذاتي، فينتفعون دنيا وأخرى.
ثانياً: قال حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: “من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يستطع وعجز عنها فليمنحها آخاه المسلم ولا يؤاجرها إياه” أخرجه مسلم، وأخرجه البخاري بلفظ: “من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها آخاه فإن أبى فليمسك أرضه.
ثالثاً : يقول حضرته صلى الله عليه وسلم” ما من امرىء يحيي أرضا فيشرب منها ذو كبد حَرَّى أو تصيب منها عافية إلا كتب الله بها أجرا” . والعافية هنا كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر.
رابعاً: يقول عليه الصلاة والسلام: “من بنى بنياينا في غير ظلم ولاا عتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولااعتداء كان له اجره جاريا مانتفع به أحد من خلق الرحمان تبارك وتعالى”.
“وإذاكانت الزراعة بهذه المثابة وعلى هذه الحالة، فينبغي بل تتعين المعرفة بلسان العلم في محاولتها، لأن بصلاح القوت يصلح القلب ويصفى الباطن، وقد ورد: “أن من أكل الحلال أربعين يوما نور الله وجهه وأرى ينابيع الحكمة من قلبه” وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “طلب الحلال فريضة على كل مسلم بعد الفريضة”، أي بعدفريضة الإيمان والصلاة، وقال: “من بات تعبان من طلب الحلال بات مغفورا له، وأصبح والله راض عنه”.
عقب الدكتور عبدالقادر سليم، قال الشيخ الحافظ النووي: اختلف في أطيب الكسب فقيل، التجارة، وقيل: الصناعة باليد، وقيل: الزراعة وهو الصحيح، إذا كان يتولى ذلك بنفسه لما فيها من كونها عمل اليد، ولما فيها من التوكل، ولما فيها من النفع العام، ولأنه لابد في الغالب أن يوكل منها بغير عوض…”، وفي الحديث: “ماأكل أحد طعاما قط أفضل من كسب يده”، ولعل في هذه الآيات التي سقناها، والأحاديث النبوية التي ذكرناها ما يعطينا صورة جلية ولو مختصرة، عن مدى إهتمام وعناية شريعتنا السمحة بزراعة الأرض وغراستها، هاتان الركيزتان تعتبران في عصرنا إحدى أعمدة النهضة الاقتصادية، وتنمية هذين الموردين الغذائيين بالطرق العصرية تساهم بكيفية فعالة في ازدهار الاقتصاد الوطني، وزيادة الدخل الفردي، والاكتفاء الغذائي الذاتي المنشود، ونسأل الله تعالى أن يحفظ مصر قيادة وشعبا وأن يجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار.