بقلم ✍️ د.محمد الجوهري
(دكتوراه اصول التربية والتخطيط التربوي،أمين لجنة التعليم بحزب الجيل الديمقراطي)
اصبحنا في عصر يتسارع فيه التطور التكنولوجي بسرعة مذهلة، وتواجه فيه التربية التقليدية تحديات غير مسبوقة، فالأجيال الجديدة تنشأ في بيئة مليئة بالهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، مما يجعل مهمة التربية أكثر تعقيدا.
فكيف يمكن للمربين – سواء كانوا آباءً أو معلمين – أن يعدوا جيلا واعيا قادرا على التعامل مع هذه التكنولوجيا بذكاء، دون أن تفقده طفولته أو تعرقل نموه العقلي والعاطفي أو تجره نحو التطرف بكل انواعه؟!.
وللاجابة على هذا التساؤل من المهم في البداية أن نفهم تأثير التكنولوجيا على عقل الطفل حيث تشير الدراسات إلى أن التعرض المفرط لأجهزة المحمول والشاشات الذكية في سن مبكرة يؤثر على تركيز الأطفال ، وقد تؤخر نمو الذكاء العاطفي لديهم وتؤثر على علاقاتهم الاجتماعية مع اقرانهم، كما قد تؤدي مشاهدة الفيديوهات إلى الحد من خيال الأطفال وقدرتهم على الابتكار.
لذا من المهم على المربين( آباء ومعلمين) أن ينظموا استخدام الاطفال للاجهزة الذكية بدلًا من منعها، مع تخصيص أوقات للأنشطة غير الرقمية مثل القراءة واللعب الحر والخروج مع الاصدقاء والجلسات الأسرية، ويمكن
تنظيم ذلك بجعل تلك التقنيات ادوات تعليمية مفيدة وذلك من خلال : وضع قواعد ملزمة للأطفال: مثل تحديد ساعات الاستخدام، وأن يكون استخدام التكنولوجيا وسائل لمكافاة على الالتزام بالقواعد ؛ كما يجب منع الأجهزة في أوقات الواجبات وقبل النوم ، و تشجيعهم على الألعاب التعليمية، والبرامج الإبداعية مثل البرمجة أو التصميم بدلًا من التصفح العشوائي، ومشاهدات فيديوهات التيك توك وغيرها من المحتوى الغير تربوي، ومن المهم أن يكون الوالدان قدوة في استخدام هواتفهم، حتى يقتنع الأطفال بأهمية الحد من استخدامها.
ويجب أن يعمل المربون(آباء ومعلمين) على تعزيز الوعي لدي الابناء حتى يعرفوا الفرق بين المعلومات المضللة والمحتوى غير الموثوق، من خلال تعليمهم المقارنة بين المصادر والبحث عن الحقائق والرجوع للآباء للتاكد من تلك المصادر ، ويجب ان يفهم الابناء مخاطر التواصل مع الغرباء وكيفية حماية الخصوصية وعلى الآباء مراقبتهم وتوجيههم باستمرار.
ولضمان نمو متوازن لدي الابناء يجب التركيز على:
ممارسة القراءة لتنمية التفكير النقدي والخيال وتحفيز الاطفال وتشجيعهم على ممارسة الانشطة
مثل الرياضة والفنون التي تساعد في تطوير المهارات الحركية والصحة النفسية، كما يجب العودة الى الجلسات الاسرية التى يتم فيها الحوار والاستماع للاطفال وهذه الجلسات ستعزز الترابط الاسري وتقلل من عزلة الاطفال مع هواتفهم.
وليست الأجهزة الذكية كلها سوء، بل يمكن استخدامها لتعزيز التعلم، مثل: منصات التعلم الالكتروني وغيرها..
وختاما فإن تربية جيل واع في عصر التكنولوجيا ليست مهمة مستحيلة، لكنها تتطلب وعيا أكبر من المربين ومرونة في الموازنة بين العالمين الواقعي والافتراضي.
والأهم هو ألا نترك التكنولوجيا تربي أطفالنا بدلا منا، بل نستخدمها كأداة مساعدة في بناء شخصيات مستقلة، ناقدة، وقادرة على التعامل مع تحديات العصر دون أن تفقد قيمها الإنسانية.














