بقلم ✍️ د. لمياء محسن
(دكتوراه الإذاعة والتليفزيون ـ كلية الإعلام جامعة القاهرة)
ليست كل الخيبات على هيئة أشخاص.
أحيانا، أكثر الخذلان قسوة هو ذاك الذي يأتي من الحياة نفسها…
من الأيام التي لا تُجدي، والخطوات التي لا تؤدي إلى مكان، والقصص التي لا تُروى حتى النهاية.
حين يتراكم فيك التعب، وتبهت في عينيك الأشياء، وتفقد كل لحظة معناها، دون سبب واضح.
تنهض صباحًا، تفعل ما هو مطلوب، تبتسم ربما، تنجز مهامك، وترحل..
لكن لا شيء يتحرك بداخلك. لا فرح، ولا حزن.
كأنك تسير في مشهد صامت طويل… لا بداية فيه ولا نهاية.
هذا النوع من الخذلان لا يُرى من الخارج.
لا دموع، لا نوبات غضب، لا انهيارات.
لكنه خذلان صامت… يشبه البرودة التي تتسلل ببطء إلى روحك.
برودة تفصلك عن كل ما كنت تحبه، وكل من كنت تنتظره، وحتى نفسك.
تشعر أنك لا تطلب شيئا من الحياة.
لا فرحا، ولا نجاحا، ولا حتى عزاء.
كل ما تريده… أن تمضي الأيام.
فقط تمضي… لست متمردًا… لكن الاستسلام صار أسهل.
تمر لحظات كثيرة دون أن تتذوق فيها أي متعة.
الأشياء الجميلة لم تعد تُدهشك.
الضحك صار مجهودا.
والكلام عبء.
حتى الذين تحبهم، تحادثهم وكأنك تراقب نفسك من الخارج.
موجود، لكن غائب.
الخذلان من الحياة ليس صدمة… بل هو انسحاب تدريجي للمعنى.
انسحاب لا يترك ألما حادًا… بل صمتا ثقيلا.
ربما لا يوجد في النهاية خلاص سريع من هذا الإحساس.
لكن مجرد أن تعترف به، أن تتوقف عن تجاهله، أن تراه وجهًا لوجه…
ربما هذا بداية بسيطة جدًا، لكنها بداية.
فالمعنى، مثل الضوء، لا يغيب تمامًا.
هو فقط يتأخر أحيانا.
وهذا مؤلم.
ليس لأنك ضعيف، بل لأنك حاولت كثيرًا… أكثر مما يجب.
تمسكت بالمعنى، بالناس، بالأمل… ثم انهار الكلّ.
وبقيت وحدك…
تحاول أن تفهم: لماذا؟
لكن، رغم كل شيء، ما زلت تتحرك.
غريب كيف يستمر الإنسان في السير، حتى عندما تنطفئ داخله كل إشارات الاتجاه.
وكأننا خُلقنا ومعنا زر النجاة الفطري: “الاستمرار”.
حتى دون أمل، حتى دون شغف، نمشي… نُكمل، نُكمّل، نعيش.
وفي هذا… رغم قسوته… قوة.
قوة لا نراها في حينها.
لكننا بعد وقت طويل، سنلتفت ونقول: لقد نجوت.
فليكن ما أنت فيه الآن مساحة صمت آمنة.
لا تُجبر نفسك على الفرح.
ولا تتظاهر بالقوة.
فقط… تنفّس.
واكتب.
وحين تأتي اللحظة، ستعرف يا صديقي أنها لم تكن نهاية، بل إعادة تعريف للحياة بعد أن خذلتك.
“ربما لم تُخلق هذه الحياة لتفهمك في كل مرة، لكنها بالتأكيد لا تنتظر منك أن تتوقف. فحتى في خذلانها… أنت أقوى مما تتخيل”.














