بقلم ✍️ أحمد رفاعي آدم ( أديب وروائي )
من أصدق العبارات التي قرأتها للكاتب الأمريكي “هربرت شيللر” في كتابه “المتلاعبون بالعقول” عبارة (الوعي المُعَلَّب)، فإننا لو تفحصناها قليلاً وأنعمنا فيها النظر لوجدناها صادقة حتى النخاع، فكثير من جهود الإعلام الغربي -وهو مملوك في أغلبه لليهود- مركزة للسيطرة على الوعي الشعبي وملئه بأفكار محددة له فيما يشبه عملية تعليب للوعي بحيث لا يخرج عن السياق المرسوم له سلفاً ولا يعترض أو يجابه ما يُراد له أن يقتنع به، وهو بحق جوهر الدور الذي يؤديه الإعلام المضلِّل من تعليب الوعي العام.
بداية هذه العملية القاسية “عملية تعليب الوعي” هو زرع قيم الفردية والاختيار الشخصي في الإنسان، بحيث يكبر وهو مؤمن بحريته التي لا حدود لها سواءً في التعبير عن رأيه أو اختيار المبادئ التي تعجبه أو تبني السلوكيات التي يرتضيها دون أن يكون لأي سلطة خارجية تدخل في اختياره الشخصي أو إيمانه الفردي، فلا تعاليم دينية توقفه ولا شرائع فكرية تحده ولا قوانين مدنية تُلزمه.
فكثير من الرسائل المبطنة التي لم ولن يمل الإعلام الغربي والسينما الأمريكية من إرسالها تتلخص في أسطورة الفردية والاختيار الشخصي والتي تدعو للحرية كما يفهمها الغرب على اعتبار أن أساسها يتمثل في وجود اختيار شخصي جوهري، ولقد تم التشديد على الاختيار الشخصي إلى أبعد مدى بوصفه شيئا مرغوباً فيه للغاية وقابلاً للتحقيق، واكتسب الرأي القائل إن الحرية هي مسألة شخصية، وإن حقوق الفرد تُبطِل حقوق الجماعة، اكتسب المصداقية وأصبح ديدن كثير من الشباب والفتيات والكبار والصغار، يرددونها دون إدراك ويطبقونها بغير فهم محققين بذلك “سياسة الوعي المُعلَّب في أوضح صورة”.
وجميعنا نتذكر فترة ثورات الربيع العربي التي طغت فيها الرومانسية الثورية على العقول وتغلبت المشاعر على الأفكار الناضجة. كانت تلك الفترة بمثابة التوقيت المثالي لتضليل كثير من العقول إلا من رحم ربي من أهل الفكر والثقافة الراسخة، فغزت ثقافات منحرفة وتقاليد منحلة المجتمعين المصري والعربي وهي لا تمت لمبادئ الاستقرار والتقدم والرفاهية بصلة، بات كل فردٍ يردد أنه حر وأنه له حق التصرف كيفما يشاء وأنه قادر على الحصول على ما يراه حقاً له رغم أنف القانون والدستور والأمن، فماذا كانت النتيجة؟ انحدار وصراعات وانشقاقات كادت تودي بحياة الأمة وتنتهي بالبلد إلى حرب أهلية لولا ستر المولى ويقظة أحرار الوطن، رغم أن شياطين الشر ومحترفي التلاعب بالعقول نجحوا في عدد غير قليل من أقطار الوطن العربي في تفكيكه وإشعال نار الفرقة بين أطرافه بحجةِ صدْقِ الرؤية وصدْقِ الغاية التي ينادي بها كل طرف، وهو مجدداً عين الفردية والاختيار الشخصي، وبالتالي نجحت خطة تعليب الوعي بحيث أصبح الوعي لدى كثير من الناس مضلَّل وحائر ومتمرد على الحق والمصلحة العامة لصالح المصلحة الشخصية.
وتتضح الصورة المُثلى لعملية الوعي المُعلَّب في الفن المعاصر، سواء الأجنبي أو العربي، فهو في كثير من الأحيان قائم على الربح المادي بغض النظر عن سوية الرسالة التي من المفترض أن يؤديها أو سموها، فللفن دورٌ خطير في تشكيل الوعي وتثقيف المجتمع وتحسين الأخلاق والارتقاء بالقيم الاجتماعية والمبادئ الإنسانية، وإذا انحدر مستوى هذا الفن وتسطحَّت فاعليته انعكس كل ذلك على الوعي المجتمعي بشكل سلبي وخطير، وللأسف الشديد هذا واقع مؤلم بتنا نعيشه ولا نملك حياله أمراً، إلا إذا نهض من المسؤلين من يحمل على عاتقه تصحيح مساره وفلترة المحتويات التي يقدمها وتنقية الرسائل التي يسعى إلى نشرها في عقول الأجيال قديمها وجديدها. فتيقظوا وانتبهوا لألعاب الأمريكان فهم أساتذة التلاعب بالعقول!.














