في الجهة الجنوبية من جامعة القاهرة، تنتظم نحو خمس كليات مرموقة، تتباين مكوناتها العلمية لكنها تلتقي في إشعاعها الحضاري، وتعكس مستويات رفيعة من التميز والجودة والخبرات المتراكمة، بما يضاهي نظيراتها في الدول المتقدمة علميًا وتربويًا وثقافيًا.
وتشكل هذه الكليات مجتمعة دائرة فكرية ومنابر بحثية فريدة من نوعها في المنطقة، إذ تمثل تجمعًا معرفيًا من الطراز الأول، يقوم عليه نخبة من الخبراء والعلماء الذين أسهموا إسهامات بارزة في ترسيخ الهوية، وتعميق الانتماء، وبسط مظلة التقدم لتشمل دول المنطقة كافة، بما يعزز جسور التواصل إقليميًا ودوليًا.
ويبرز هذا المشهد بجلاء قوة الدولة المصرية واهتمامها غير المسبوق بالتعليم والبحث العلمي والمعرفي، ورعايتها للكفاءات، ونشرها لقيم التعاون الإنساني في مجالات متعددة، بما يعكس المكانة الحضارية والإنسانية لمصر وإرثها الخالد تحت مظلة القيم الإنسانية المشتركة.
وتضم هذه المنظومة المتميزة كلية التربية للدراسات العليا التي تُعِدّ الكوادر التعليمية وتكسبها الأسس التربوية السليمة، وتقابلها كلية دار العلوم العريقة، الحارسة للهوية اللغوية واللسان العربي الفصيح. كما تبرز كلية الإعلام بريادتها في مجالات الإعلام الورقي والمرئي والمسموع والرقمي، إلى جانب كلية التخطيط العمراني والإقليمي، وهي المؤسسة الجامعية المتكاملة الوحيدة في مصر والشرق الأوسط في هذا التخصص، بما تضمه من أربعة أقسام علمية متخصصة.
وتأتي كلية الدراسات الإفريقية العليا في قلب هذه المنظومة، حاملة رسالة ريادية ومؤدية دورًا محوريًا يهدف إلى بناء الإنسان وصناعة المستقبل، ومدّ جسور الصداقة والتعاون مع بلدان القارة السمراء، انطلاقًا من كون إفريقيا الامتداد الطبيعي لمصر، والحاضنة المشتركة لجذور التاريخ والثقافة والعلوم والفنون والأديان، فضلاً عن الروابط الاقتصادية المتعددة.
وتعنى كلية الدراسات الإفريقية العليا-التي تمنح درجات الدبلوم والماجيتير والدكتوراة- في المقام الأول، ببناء الإنسان وترسيخ الهوية وتثبيت دعائم المعرفة، سواء لدارسيها من المصريين أو للباحثين الأفارقة الوافدين إليها، الذين يقصدونها للنهل من معينها العلمي المتميز. وتختص الكلية بالتعليم والبحث الأكاديمي المتقدم في شؤون القارة الإفريقية بمختلف أبعادها: التاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، واللغوية.
وتولي الكلية اهتمامًا بالغًا بالدراسات العليا والبحوث المتخصصة في الشأن الإفريقي، لا سيما في مجالات التنمية والسياسات العامة، والتاريخ الإفريقي، والجغرافيا والموارد الطبيعية، والاقتصاد والسياسة، والأنثروبولوجيا، واللغات الإفريقية، والإعلام والشؤون الإفريقية.
ومن هذا المنطلق، تمثل الكلية لبنة أساسية في البناء العلمي والفكري والثقافي للدولة المصرية، إذ تسعى إلى تعميق العلاقات، وتعزيز أواصر التعاون، ودعم التبادل المعرفي بين مصر وكافة دول القارة الإفريقية. كما تقدم دراسات تنموية وثقافية وأكاديمية ترسخ قيم الشراكة الموضوعية والهادفة مع إفريقيا، وتدعم الانتماء المتبادل، بما يلبي الطموحات ويحقق آمال التقدم والنمو المستدام.
وفي هذا السياق، تؤدي الكلية، بوصفها إحدى أدوات صناعة العلم والفكر، دورًا فاعلًا في تعزيز الهوية المصرية وتأكيد الدور المصري الإيجابي في التعاون مع إفريقيا، وهي علاقات ضاربة بجذورها في عمق التاريخ لآلاف السنين، قائمة على الاحترام المتبادل وتبادل الخبرات، والاستفادة من معطيات التنمية الشاملة والمستدامة التي تشهدها مصر والعديد من دول القارة.
ولا شك أن الكلية تضم قامات علمية رفيعة، تضطلع بمسؤولية التعليم والبحث وتقديم رؤى أكاديمية رصينة للدارسين، تؤكد الأهمية الاستراتيجية لإفريقيا بالنسبة لمصر منذ فجر التاريخ، وتشيد بجهود الدولة المصرية في هذا الإطار، وبالرؤية التي تنطلق من المصير المشترك والمستقبل الواحد، بما يحقق النفع لشعوب القارة التي عانت طويلًا من ويلات المستعمرين البيض.
وانطلاقًا من ذلك، توظف الكلية جهودها انسجامًا مع أهداف القيادة السياسية والدور المصري الراسخ، بما يعزز الشراكة المأمولة والتعاون المنشود، ويمهد لازدهار الشعوب الإفريقية، وهو ما تتجلى ملامحه بوضوح في الواقع الراهن.
إن كلية الدراسات الإفريقية العليا تمثل كيانًا علميًا وثقافيًا راسخًا، ومصدرًا أصيلًا من مصادر المعرفة الإفريقية، وعنصرًا فاعلًا في تشكيل الوعي والذهنية المصرية تجاه دول القارة، الأمر الذي يفرض ضرورة تفعيل دورها وتطوير آلياتها، واستحداث صيغ جديدة للتعاون، بما يدفع الهوية المصرية قدمًا، ويؤكد حضورها المستمر بوصفها رابطًا حيًا بين القلب والأطراف.














