السلام مفردة مصرية، يتضمنها العديد من التعبيرات، بدءًا بإلقاء السلام ” السلام عليكم ” إلى إطلاق اسم السلام من أسماء الله الحسنى على أبنائنا” عبد السلام”، مرورًا بالصيحة المعجبة” ياسلام”، والسلام الوطني”، وقول الحدوتة ” لولا سلامك سبق كلامك.. لكلت لحمك قبل عضامك”، بمعنى أن كلمة السلام منعت الأذى .. إلخ. إنها تعبيرات ترفض نفي الآخر، ومعاداته.
كانت رؤية الإسرائيليين لبلادهم فى العقود التي تلت إعلان قيام الدولة، أنها جزيرة في محيط من الأعداء. وقد تبدلت النظرة بعد أن حققت إسرائيل معظم أهدافها في المنطقة العربية، فهى واحة للديمقراطية في هجير الصحراء الشرق أوسطية، جزيرة تقدم فى محيط يزخر بالعدوانية والقبلية والصراعات، دولة غربية متمدينة فى محيط من العالم الثالث، المتخلف، رغم أن إسرائيل – كدولة – لا تستطيع الحياة إلاّ من خلال تدفق المعونات الأمريكية، بالإضافة إلى التعويضات الألمانية على جرائم مزعومة لا أصل لها. وهو ما يتناقض مع تأكيد نتنياهو أن الإنعاش الاقتصادي الذى تحياه إسرائيل في الأعوام الأخيرة ، ينبع من إسرائيل ذاتها، دون شيء آخر، من سياستها وتخطيطها الاقتصادي!
واللافت أن الإعلام الصهيوني أفلح في إقناع العالم أن العرب هم المعتدون، وهم الذين استولوا على أرض إسرائيل، وعليهم أن يعودوا من حيث أتوا. أرض إسرائيل – في رواية الإعلام الصهيوني – هي أرض إسبانيا التي استولى عليها العرب لأعوام طويلة، ثم عادت إلى أصحابها الأصليين. أما الفوارق التاريخية المؤكدة بين العرب في إسبانيا، والعرب فى فلسطين، فقد واجهت زيفًا أجاد تعريته روجيه جارودي في كتابيه ” الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ” و” حق الرد “.
لإسرائيل حلم. وهذا الحلم يمتد من النيل إلى الفرات، وهو -في قول قائد إسرائيلي – يشمل المناطق التي يصل إليها الجنود الإسرائيليون. ولن يتحقق الحلم/ التوسع إلاّ بتغييب العرب أبناء المنطقة، أو فى أقل تقدير – وهو ما أكدته مجلة كانت تصدر فى القاهرة، فهى تتحدث عن وجوب عودة اليهود إلى بلادهم (!) بثروة الأمم، وأن اليهود” من أصح أمم المشرق نسباً ” ( مجلة ” رعمسيس ” مجلد 1910 ص 667 )
وأذكر قول موشيه ديان ( أغسطس 1967 ـ أى عقب عدوان يونيو )” إذا كنا نمتلك الكتاب المقدس، وإذا كنا نعتبر شعب الكتاب المقدس، فإن علينا أن نمتلك أيضاً أرض الآباء، أرض أورشليم والخليل وأريحا، وعلى الدول الأجنبية، أن تفهم أن سيناء ومرتفعات الجولان ومضيق تيران وجبال غربى الأردن، بغض النظر عن أهميتها، تقع في قلب التاريخ اليهودى”.
قد يكون السيناريو الذي يؤدي إلى هيمنة إسرائيل على المنطقة، وغزوها اقتصاديًا وثقافيًا.. قد يكون هذا السيناريو ضعيف الاحتمال، لأن حقائق التاريخ والجغرافيا والموارد المادية والبشرية، هي في مجموعها في صالح الوطن العربي.. قد يكون ذلك كله صحيحًا، لكن الحلم الصهيوني قديم، ومعلن.
إذا كانت الطريق ممهدة ، فما الذي سيحول بين إسرائيل والسير فيها؟
إن إسرائيل مشغولة بـ ” أسرلة ” كل شيء، بمعنى صبغ الأماكن ومظاهر الحياة بالصبغة الإسرائيلية، بينما يشغلون الفلسطينيين بالمفاوضات، والضربات الوقائية، والمصادرات، والتهجير، والمعاهدات التى لا تساوى قيمة أوراقها ( رحم الله معاهدة أوسلو! )، والتصريحات الوردية أحيانًا، والمستفزة أحيانًا أخرى. وكم تأثرت للشيخ الفلسطيني، وهو يتحدث في محطة الـM B C الفضائية عن الفلسطينيين الذين شردوا في أقاصي الأرض، ولا تبدو عودتهم إلى وطنهم قريبة، بل هي مستحيلة في ظل المستوطنات التي تقام فى كل قطعة من أرض الوطن!.
حتى المستوطنات – كما أعلن بن جوريون- لاتعدو هدفًا قريبًا، ” وكما أنه من الواضح – والقول لبن جوريون- أن إنجلترا تنتمى للإنجليز، ومصر للمصريين، فاليهودية لليهود، وليس في بلادنا مكان إلاّ لليهود. إننا سنقول للعرب: ابتعدوا. فإذا لم يوافقوا، وقاوموا، فسنبعدهم بالقوة ” !
وقد رشح بيريز إسرائيل لتكون العاصمة التجارية والمالية في النظام الشرق أوسطي. أما الزعيم الصهيوني المتطرف جابوتنسكي فقد دعا – فى ثلاثينيات القرن الفائت – إلى ضم الدول العربية لكومنولث عربى، بحيث تصبح هذه الدول توابع في الفلك الصهيونى.
نهاية السلام الإسرائيلى – فى رؤية أصحابه – تحقيق الأهداف التوسعية الاستيطانية.والقول بأن إسرائيل تسعى إلى تحقيق مكاسب إضافية لإسرائيل قبل الوصول إلى السلام الشامل.. هذا القول ينطوى على قدر كبير من عدم الفهم، أو السذاجة، لأن الهدف الاستراتيجى للقادة الإسرائيليين هو محو العرب من خريطة العالم، أو في الأقل تحويلهم إلى جماعات مشابهة لجماعات الهنود الحمر في أعقاب استيلاء ذوي الوجوه الشاحبة – التسمية التي كانوا يطلقونها على الأوروبيين – على بلادهم، والهدف الذي لم يعد سرًا، هو تفتيت الوطن العربي إلى دويلات تتنافر بالعرق والدين والقبيلة.
وإذا كان المتنبى قد تحدث عن تعدد الأسباب والموت الواحد، فإن الهدف الإسرائيلي ظل قائمًا، وإن اتخذت إليه وسائل أخرى، بديلًا للقوة العسكرية، أو – فى الأدق – موازية لها، مع ملاحظة أن الخوف هو ضمان المجتمع الصهيونى للبقاء. وبالتحديد، فإن مجتمع إسرائيل يحتاج – لتحقيق تماسكه واستمراره وتوسعه – إلى مناخ الحرب بأكثر من حاجته إلى مناخ السلام.
ثمة حقائق يجدر بنا أن نعترف بها، وهي أن ما شهده العالم من تغيرات في العقود الأخيرة لم يكن يخطر في بال حتى خبراء الاستراتيجيات.
هل كان أحد يتصور أن أحد أهم قوتين سياسيتين وعسكريتين في العالم، ستتفتت إلى دويلات؟ وهل كان أحد يتصور أن الشيوعية التى اعتبر البعض تأثيراتها أشد خطورة من الاحتلال الإسرائيلي لأراض فى الوطن العربي؟وهل كانت الدول التى أفادت من لعبة التوازن تتصور أنه سيأتى يوم ترجح فيه كفة الميزان المقابلة بما لم يتوقعه أحد ؟..
لقد اختفى التنبؤ !..
أنا لا أستطيع تحت أي زعم، حتى لو كان زعم العقلية الحضارية، أو زعم التصرف الحضاري، أو الموضوعيةـ لا أستطيع أن ألغي ما عشته، والملايين من أبناء جيلى، وأبناء الأجيال التالية من حروب ومذابح وإبادة وطرد وتشريد وإحلال دولة موضع دولة أخرى، كانت قائمة بالفعل.
الشريط طويل، متصل، حافل بآلاف الصور فى دير ياسين وكفر قاسم وبحر البقر وتونس وأبو زعبل وصبرا وشاتيلا وقانا وغزة، واتصاله لا ينتهى عند حد، أو إلى حيث يصل الجندي الإسرائيلي.. والتعبير لموشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق !.. بل إن الديمقراطية الإسرائيلية – رغم كل المبادرات والاتفاقات -لا تزال تكشف عن وجهها الحقيقي في ممارسات السلطة الإسرائيلية مع أبناء الشعب الفلسطينى، وهي ممارسات تتسم بالاستعلاء والعنصرية والاستغلال وتقييد الحريات، والإجبار على الهجرة!