»»
كشفت أزمة الارتفاع المبالغ فيه لأسعار السكر الأخيرة عن “مافيا” الاستغلال والاحتكار والتي تسببت في إحداث خلل وتقلبات في السوق المصري وموجة من الغلاء في هذه السلعة المهمة ،علاوة علي ارتفاعات غير مبررة في سلع أخر!.
ولا ريب أن السكر سلعة إستراتيجية مهمة ارتبطت بانتاج عشرات السلع الأخرى كالحلويات والمخبوزات والعصائر والمشروبات الغازية والمربات وغيرها،مما يتطلب مراقبة حكومية مشددة لإحكام الرقابة على الأسواق والمحلات التجارية وتجار الجملة وغيرها، وإيجاد حلول لوقف هذا العبث!.
ومما يدعونا للأسف أنه ورغم المحاولات الحكومية للسيطرة علي الأزمة عبر إتاحة آلاف المنافذ وتوفير المنتج بسعر مقبول نسبيا ،إلا أن هناك من يحاول تحقيق أرباح طائلة والمتاجرة وإثقال كاهل المواطنين وتعطيش الأسوق وتعميق الأزمات.
وهناك مجموعات خبيثة احترفت شراء السلع المدعمة عبر المجمعات الاستهلاكية ،كما حدث من قبل مع أزمة ارتفاع أسعار الدجاج والبيض كما أنهم احترفوا آليات غير مشروعة للتربح عبر أبواق من الشائعات، وصنع آليات جديدة تفوق آلية العرض والطلب!.
وفي محاولة لكبح جماح حالة الانفلات في سوق السكر اضطرت وزارة التموين للتلويح بالتدخل لإقرار “تسعيرة جبرية” لوقف هذا المؤشر السلبي المتصاعد ،واستمرار معاناة الناس للحصول عليه حتي وصفه البعش بأن الحصول عليه أمسي رحلة شاقة ،و”مره”، وخاصة لدي هؤلاء ممن لا يمتلكون بطاقات تموين.
والأمر الأغرب الذي يدعو للتساؤل والاستنكار أن البورصة السلعية حددت سعر السكر ب24 ألف للطن علي أن يباع للمستهلك بما لا يتجاوز ال 27 جنيها ،لكن التجار والشركات معدومة الضمير تبعيه لتجار التجزئة بأسعار مرتفعة، وعندما يصل للمواطن يتراوح سعره مابين 45 إلي 50 جنيها ،وهوالضعف تقريبا ، ووصل بالفعل في بعض المنافذ والمحلات التجارية إلي 55 جنيها، وهذا من خلال سؤال عدة محلات قبل دقائق من كتابة هذه السطور!.
وأتصور أن معطيات الواقع والتجارب المرة تتطلب تدخلا حاسما، وحتمية إقرار تسعيرة جبرية للسكر وكافة السلع الأساسية للمواطنين لمجابهة السوق السوداء واقتصاد الاحتكار،الذي أسهم بصورة كبيرة في ارتفاع أسعار سلع أخري كالأرز والبصل ومنتجات الألبان وغيرها.
وكأننا أمام “مافيا” جديدة، لا تعترف بآليات الضمير الوطني الحر ،وهدفها فقط تحصيل الأرباح دون أي التفات للمسؤولية الاجتماعية التي تحتم الإسهام في تخفيف أعباء المواطنين ومراعاة ظروف محدودي ومتوسطي الدخل.
وخلال شهور قليلة أصبح المواطنون وأمسوا أمام صورة معاصرة لتجار الأزمات،الذين يتلونون مع كافة المستجدات والمتغيرات ،ويغيرون جلودهم لانتهاز الفرص وتوظيفها لمصالحهم الخبيثة!.
وقد قال أحدهم تستطيع أن تكون عدة ملايين من الارباح وربما تصبح من رجال الأعمال في شهور معدودة ..مطلوب فقط قلة ضمير،وبعضا من المال ومخزن كبير بعيدا عن أعين أجهزة الدولة لتخزين السلع التي يرتفع ثمنها،ولا غناء للناس عنها ،ثم العودة للمضاربات،والمساومات وممارسة الاحتكار والاستغلال بأبشع صوره القبيحة!.
إن سبل التعافي من مرض “السكر” وغيره من الأزمات المفتعلة ، يتطلب مراجعة الضمائر قبل إقرار القوانين والتشريعات ،ويجب أن تكون هناك أدوار فاعلة للغرف التجارية بمختلف المحافظات ولرجال الأعمال وللسلاسل التجارية ولشركات الإنتاج والتوزيع ،ولكافة أجهزة الدولة المعنية لإقرار تسعيرة عادلة لكافة السلع ووقف هذه المهازل التي تحركها أياد آثمة.
ولم يعد مقبولا أن تضطر الحكومة لزيادة الكمية المستوردة من السكر لأحداث نوع من التوازن ،كما فعلت إبان أزمة الأرز رغم أن مصر تنتج ما يكيفها من الأرز وبزيادة تتجاوز النصف مليون طن!.
وكلنا ندرك ما يكلفه هذا لميزانية الدولة وضرورة توفير العملات الصعبة في التوقيت الحرج ، وخاصة مع انتشار الدعوات والمبادرات الايجابية المتعقلة للاعتماد علي المنتج المحلي و الاكتفاء الذاتي التدريجي.
كفانا مبالغة وهروبا من آلية “السوق الحر” بمفهوما الواقع ،وإقرار السعر العادل الذي يضمن للجميع نسبة مقبولة من الأرباح ويسهم في توفير السلع الأساسية للمواطنين.
ومع هذا الكم من التحديات غير المسبوقة يبقي صرير صوت الحكمة ..”وكيف يبلغ البناء يوما تمامه،إذا كنت تبني وغيرك يهدم”.