»»
في معركة العرب الوجودية مع الكيان الصهيوني المغتصب نبحث عن نقاط مضيئة، وشهادات غربية تكتسب الطابع الأممي، ربما يصل صوتها الأفق يوما، شرقا وغربا، وربما نحصد ثمار تعاطفها مع مأساة أهل فلسطين ومساندتها، للموقف المصري والعربي الصلد الرافض للتهجير القسري، إقرارحق الشعب الفلسطينيي في وطن مستقر وحياة آمنة مثل بقية دول العالم.
وهاهو جوتيريش ينطق بالحق ويقول الصدق ويستنكر ما تقترفه إسرائيل وأذنابها، في دنيا لم تعد تنضح إلا بالكثير من الكذب والتواطؤ، وتري الحقيقة بقناعات فاسدة، ووفقا لروايات منقوصة ومغرضة !.
لقد خففت المواقف الإيجابية الداعمة من الأمين العام تجاه قضية فلسطين من حماقة موقف المعسكر الغربي تجاه إقرار وقف إطلاق النار وإدانة أفعال إسرائيل الإجرامية، الوحشية التي فاقت كل الحدود والتوقعات.
كما أحيت المني المعطلة بفعل فاعل أن تضطلع المنظمة الدولية بدورها في حفظ السلام الدولي وإقرار العدل وفض المنازعات الدولية والانحياز للأقليات المضطهده وتعزيز مساندة حقوق الإنسان في مختلف بقاع المعمورة.
لقد صدح “جوتيريوش”، بكلمة حق منطلقا من دوافع طبيعية وإنسانية ومنطقية لم تلوثها سياسات المعايير المزدوجة، رغم رفعة منصبه وأهمية منطقه، لكنه يظل فردا في منظومة دولية ديكورية تدار بتوجهات وبهيمنة غربية أجمعت علي رعاية مصالحها، اتفقت علي مساندة الكيان الصهيوني في كل الأحوال.
ويبدو أن جوتيريوش خرج بدافع إنسانيته المطلقة عن النص المتفق عليه، وغرد خارج سرب الإجماع الغربي الأحمق، ويحسب له أنه أضاء ومضة أمل بموقفه المشرف، رغم ظلامية المشهد الدولي حالك السواد!.
ومن القاهرة ومن رفح المصرية، وخلال قمة السلام طالب بضرورة وقف العدوان الهمجي والعمل علي إدخال المساعدات الإغاثية العاجلة والمياه والوقود لقطاع غزة، كما قال في اجتماع مجلس الأمن الثلاثاء الماضى لبحث العدوان الإسرائيلى على غزة : ” إنه فى لحظة حاسمة كهذه، من الضرورى أن تكون المبادئ واضحة، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين وضمان عيشهم”.
وأضاف «إن هجوم 7 أكتوبر لم يحدث من فراغ، حيث يعيش الشعب الفلسطينى فى احتلال خانق يدوم منذ 56 عاما، وشهد أرضه تلتهمها المستوطنات رويدا رويدا”.
ويبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش خرج عن سياق الازدواجية الأمريكية والغربية، عندما قال إن الهجوم الذى قامت به الفصائل الفلسطينية، لا يبرر العقاب الجماعى الذى لحق بالشعب الفلسطينى كافة، وطالب جميع الأطراف بـضرورة احترام القانون الإنسانى الدولى، واحترام المدنيين والمستشفيات ومرافق الأمم المتحدة التى تُؤوى أكثر من 600 ألف فلسطينى، مع استمرار القصف الإسرائيل لغزة بلا هوادة وتزايد عدد الضحايا، المدنيين بصورة مقلقة.
واعتبر أنطونيو جوتيريش أن حماية المدنيين أهم موضوع فى أى نزاع مسلح، ولا يجب استخدامهم كدروع بشرية، ولا يعلو أى طرف فى النزاع على القانون الدولى، مؤكدا أن إمدادات الوقود الخارجة من الأمم المتحدة إلى غزة ستنفد بعد وقت قليل للغاية، وهذه كارثة كبيرة، علاوة عن انقطاع الكهرباء والمياه، لذا شعب غزة فى حاجة شديدة إلى تقديم المساعدات له دون قيود”.
وقد واجه جوتيريش هجوما من إسرائيل وحلفائها، وطالبت باستقالته بعد انتقاده لها،
وقُوبلت كلماته بالإدانة والانتقادات من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين،
و طالب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، باستقالة «أمين عام الأمم المتحدة، الذي يبدي تفهمًا لحملة القتل الجماعي للأطفال والنساء وكبار السن، ليس مؤهلًا لقيادة الأمم المتحدة»، مما قد يعرقل إعادة ترشيحه للأمم المتحدة مثلما جرى مع الدكتور بطرس غالى، الذى عارضت أمريكا التجديد له، بعد أن أصدرت الأمم المتحدة تقريرا أدان إسرائيل فى “مجزرة قانا» التى تم فيها قصف مقر الأمم المتحدة فى قرية قانا بلبنان فى 18 إبريل 1996، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلى بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية ما تسمى “عناقيد الغضب”، التى شنتها إسرائيل على لبنان، وأدى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح، وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل، لكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض “فيتو”، وبسبب تقرير الأمم المتحدة الذى أدان الاحتلال، تم رفض التجديد للأمين العام مرة ثانية.
جوتيريش أدان جرائم إسرائيل فى غزة صراحة ويرفض الإخلاء القسرى للفلسطينيين، نعى موظفى الأمم المتحدة ضحايا الهجمات البربرية وندد باستهداف المستشفيات والمخيمات، وربما يدفع ثمن مواقفه الداعمة للقانون الدولي والإنساني!.
وكما تمارس تل أبيب أقبح أساليب التصفية، والقمع والتنكيل والاضطهاد، فهي لا تستح أن تمارس أساليب الإرهاب الفكري والابتزاز لكل من يقف ضد صلفها وقناعاتها.
وقد حاولت من قبل ممارسة نفس الأسلوب أيضا مع معظم أمناء المنظمة الدولية السابقين، ومع كل من يقف أمام صلفها وطموحاتها اللامحدودة .
كما أعادت الواقعة إلى الأذهان مواقف مماثلة ماضية، وأخر تلك المواقف والانتقادات المتبادلة، في يوليو الماضي، حيث تعرضت فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى انتقادات واسعة من الإسرائيليين، بعد مساندتها للفلسطينيين.
وقالت ألبانيز: “أن ما يحدث حاليًا كارثة سياسية وإنسانية ذات أبعاد أسطورية”، مشيرة إلى أن الاحتلال الذي تمارسه إسرائيل هو ” أداة للاستعمار والوحشية والاعتقال والاحتجاز التعسفي وتنفيذ إعدامات بإجراءات موجزة ضد الشعب الفلسطيني”.
وبالعودة إلى عام 2016، تجد الأمين العام للأمم المتحدة السابق، “بان كي مون”، نال المصير ذاته بعدما تحدث عن المظالم المتواصلة التي يتعرض لها الفلسطينيون في مجلس الأمن”.
وفي عام 12 مارس 2002، اتهم الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة، كوفي عنان، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، أرييل شارون، بإساءة استخدام القوة، ما أدى إلى مقتل مئات الأبرياء وتدمير العديد من المنازل والمباني.
ووصفت تل أبيب حينها الأمم المتحدة تصرفاتها بالتعامل بطريقة “غير دبلوماسية، ولا تثق في تصرفات إسرائيل!.
وفي عام 1975 كان لدى ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، تحفظات جدية بشأن الأمم المتحدة ،إذ كان مبدأه: “ما يهم ليس ما يقوله غير اليهود، بل ما يفعله اليهود”. وأشار إلى الهيئة العالمية واصفا إياها بعبارة «أم شموم»، وشموم تشير إلى الازدراء أو السخرية!.
إنه تاريخ طويل من الكبر والغرور والغطرسة ،والخصام مع المنظمة الدولية المكبلة ،وسجل مظلم حافل بالإرهاب الفكري، وبآلاف الجرائم، والاغتيالات لرموز المقاومة وللعلماء العرب!.
***
ومع السيرة الذاتية لأنطونيو مانويل دي أوليفيرا جوتيريش،فهو سياسي برتغالي ولد في 30 أبريل 1949 ،يتولّى منصب الأمين العام للأمم المتحدة منذ 1 يناير 2017 خلفاً لبان كي مون.
وكان قبلها رئيس وزراء البرتغال من 1995 حتى 2002 ، كما شغل أيضاً منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من يونيو 2005 حتى ديسمبر 2015.
ومع مطلع عام 2003 ، وانطلاقا من دقة مسؤوليته، وخلال اجتماع المنتدى الاقتصادى العالمى
وصف جوتيريش العالم بأنه فى “حالة مؤسفة يرثى لها”، بسبب عدد لا يحصى من التحديات “المتداخلة” بما فى ذلك تغير المناخ والحرب الروسية فى أوكرانيا، بتأثيراتها وتراكماتها الموجعة.
كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلي أن المستويات الأكبر من الانقسام الجيوسياسي، وانعدام الثقة في الأجيال تقوض من الجهود المبذولة لمعالجة المشاكل العالمية، والتي تشمل أيضا اتساع عدم المساواة وأزمة تكلفة المعيشة الناجمة عن ارتفاع التضخم وأزمة الطاقة والآثار المستمرة لوباء كوفيد 19، فضلا عن اضطرابات سلاسل التوريد والمزيد.
ومن المواقف المشهوده له أنه وقبل عامين في مارس 2018 استشهد بآية قرآنية، في تأكيده أن رسالة الإسلام التي جاءت قبل أكثر من 1400 عام، هي السلام والتعاطف والرحمة، وكانت مصدر إلهام للناس في جميع أنحاء العالم، مشيدا في الوقت نفسه بتعامل الدول الإسلامية مع قضية اللاجئين.
وتابع جوتيريش أنه رأى تجليا معاصرا لما جاء في سورة “التوبة”: “وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون”، موضحا أن “هذه الحماية يجب أن تكفل للمؤمنين وغير المؤمنين على السواء، كما ذكر في القرآن الكريم”.
وأضاف معلقا على الآية القرآنية: “هذا تعبير مبهر عن مبدأ حماية اللاجئين، قبل قرون من إتمام اتفاقية عام اللاجئين، التي أبرمت في عام 1951.
وأشار جوتيريش في كلمته خلال احتفال الجمعية العامة للأمم المتحدة باليوم الدولي الأول لمكافحة “الإسلاموفوبيا”، إلى أن “ما يقرب من ملياري مسلم في العالم هم تجسيد للإنسانية في تنوعها، لافتا إلى أنهم ينحدرون من جميع أنحاء العالم، لكنهم في بعض الأحيان يواجهون عدم التسامح والتحيز لأي سبب آخر باستثناء عقيدتهم.
تحية تقدير لجوتيريش ،ولكل من يحمل بين أضلعه قلبا نابضا وضمير انسانيا حيا..
(وما يعلم جنود ربك إلا هو)، (والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صدق الله العظيم.