نعم الله لا تعد ولا تحصي ، رغم ما يعتري الإنسان من ابتلاءات في الصحة والمال، علاوة علي مستجدات ومتغيرات الحياة المعاصرة..وصدق المولي عز وجل :(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ،وبشر الصابرين) البقرة ١٥٥.
فالحياة بها الكثير من المحطات والإختبارات ، ولا تسير علي منوال أو نمط واحد من الفقر أو الغني، أو من الحزن او السعادة ، ولكن رغم المحن ، فلابد أن يفتش الإنسان عما تبقي من فضل الله ولا يزدري نعمة الله ويستهين بها، فهذا هو الخسران المبين.ويحذرنا الله عز وجل من تبديل ونكران النعم ( ومن يبدل نعمة من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب).
وفي اوقات الأزمات لابد أن يتحلي الإنسان بالصبر الجميل وإعادة ترتيب الأولويات ، وان ينظر دائما لنصف الكوب الممتليء بالماء ،ويتذكر نعمة الله، ويلزم نفسه ومن هو مسؤول عنهم بالإعتدال والترشيد وتجنب الإسراف ،وإمتصاص تداعيات الأزمات، فهذه هي الحياة.
يقول أحد الكتاب السوريين :
لما بلغ الترف بأهل العراق أنه كل ما ينزل على المائدة يرفع ما بقي منه إلى الزبالّة
حتى اندثر عندهم مصطلح (اﻷكل البايت )
فابتلاهم الله بالحصار عشر سنين حتى صاروا يأكلون الخبز أسود يابس ،،،
ومات لهم مليونا طفل من الفقر والمرض …
ولما صرت أرى في بلدتي دمشق وضواحيها الخبز في الحاويات بكثرة ورأيت امرأة فقيرة سقط منها رغيف خبز فتركته على اﻷرض ومضت ورأيت آخر يبعد ما سقط منه على الأرض بطرف قدمه ..
بل إنني رأيت بعيني رجلا يمسح حذائه بقطع من الخبز الابيض ويلمعها به مع شديد الأسف
ووصل الهدر إلى مستويات مخيفة جدا في بلدي
أيقنت بعدها أننا مقبلون على أيام صعبة سنشتهي بها هذه الخبزات التي كنت أراها في الحاويات!.
ويضيف الكاتب :
رحم الله والدي العالم الجليل :
كان يأكل طعام اﻷمس البائت قبل طعام اليوم الطازجو ،كان يبلل الخبز اليابس بالماء ويأكل به وﻻ يرميه وكان أول من يشبع ،وآخر من يقوم عن المائدة : فقد كان يلملم الفتات من أرز وفتات الخبز وغيرها ، وﻻ يسمح برميها او مسحها مع تنظيف المائدة.وإذا وجد في المطبخ صحنا فيه بقايا طعام لأحد اﻷطفال لم يكمله ، لا يجد حرجا في أكله
ويغضب أشد الغضب إن رمي شيء من الطعام
كان يحافظ على النعمة بقليلها وكثيرها ويحرص عليها فحفظته في حياته :
توفي رحمه الله وهو لا يشكو من أي مرض
ﻻ ضغط ، وﻻ سكري ، ولا شرايين ، وﻻ روماتيزم ، وﻻ قلب ، وﻻ أي مرض مما يشكو منه أي إنسان جاوز الخمسين
أو الستين ، فضلاً عن السبعين .
وكان يكثر من ترديد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم” أحسنوا جوار نعم الله ،لا تنفروها ، فإذا ذهبت عن قوم لا تعود إليهم).
وفي رواية أخرى لحديث السيدة عائشة حين دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال: يا عائشة اكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم.
..حقا كان طعام الأمس زخيرة اليوم وغدا وايقونة العمل الصالح والنجاة.
إن الإحساس بنعمة الله،وحسن جوارها وصيانتها طريق الفلاح والظفر بالبركة ورضا الله 🙁 وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). صدق الله العظيم.
ومن الأقوال المأثورة للصحابي عمر بن الخطاب رضي الله :
” اخشوشنوا فإن النعم لاتدوم “إنها حكمة وقيمة عظيمة ،فالمبالغة في انغماس النفس في الملذات، ومتع الحياة ،وقد يصاب بالتخمة والأمراض المستعصية، علاوة علي إهدار ما لديه من مال ومقدرات.
وفي رمضان المبارك تأتي الفرص الربانية تباعا لمراجعة النفس وتصحيح المسار!