يكتبها- وليد شاهين
حفظ القرآن وجوده قبل سن السابعة.. ولقب بـ “رفعت الصغير”
شارك عمالقة القراء فى إحياء الحفلات والمناسبات الدينية وعمره 15 عاماً
امتلك حساً قرآنياً يفيض عذوبةً ورِقةً وجمالاً.. حتى استطاع أن يجعل لنفسه هويةً قرآنية مستقلة في التلاوة بصوته الندى الشجى.. نشأ فى صغره في جو روحاني وإيماني عميق تحت ظلال مدرسة قيثارة السماء الشيخ “محمد رفعت” فنهج على إتباعه فى الأداء القرآني وكان كالبُلْبُل المترنم حتى لقبه الناس بـ “رفعت الصغير”.
وُلِدَ الشيخ “محمد عطية حسب” بقرية ميت غراب التابعة لمركز السنبلاوين بالدقهلية عام 1936، في أسرة قرآنية، حيث كان والده الشيخ “عطية” أحد حفظة كتاب الله عز وجل، وأحد القراء الذين ذاع صيتهم فى قريته ومعظم قرى ومدن الوجه البحرى.. حرص على أن يزرع فى بنيه حب القرآن وتلاوته، وعمل على تلقين ولده الصغير “محمد” القرآن الكريم، حتى أتم الله عليه حفظه وتجويده كاملاً وهو دون السابعة من عمره.
أقبل الطفل “محمد” منذ صغره على ترتيل القرآن وتلاوته مقتدياً بأداء الشيخ “محمد رفعت” بحس قرآني يفيض عذوبةً ورقةً وجمالاً، ففى ذات يوم دخل عليه والده فوجده يرتل القرآن بصوت شجى وكأنه صوت الشيخ رفعت، فتولى على راعية هذه الموهبة وأثقلها فى صغيره، حتى أرسله وهو في العاشرة من عمره إلى القاهرة ليتعلم أصول القراءات.. ثم ألحقه والده وفي عام 1950 بالمعهد الديني بالمنصورة وكان عمره وقتها لم يتجاوز 14 سنة، وعندما استمع معلموه وزملاؤه إلى صوته فى القراءة الممزوج بروحانيات “قيثارة السماء” أطلقوا عليه على الفور اسم “محمد رفعت” واستمر معه هذا اللقب إلى ما بعد التحاقه بالإذاعة كقارئ بها عام 1971.
كان هذا اللقب بمثابة الدافع الأكبر لتعلقه بفن القراءة والتطلع إلى المزيد من التأهيل وتطوير الموهبة إلى جانب الالتزام بآداب القرآن، فسافر الشيخ “محمد عطية” إلى القاهرة ودرس على يد الشيخ “سيد سلامة” والذي اشتهر بالتمكن في تدريس علوم القرآن وتجويده وهناك استطاع أن يتقن القراءات السبع على يد شيخه وتأهل ليأخذ مكانة مرموقة بين القراء في القاهرة والأقاليم.
ذاع صيت الشيخ “محمد عطية حسب” فى جميع أنحاء الجمهورية، وصدح بالقرآن تلاوةً وتجويداً بجوار عظماء وعمالقة التلاوة فى مصر، فكان يدعي وهو في الخامسة عشرة من عمره لإحياء مأتم بمصاحبة الشيخ “مصطفى إسماعيل”، كما شارك عدد كبير من مشاهير القراء فى إحياء الحفلات والمناسبات الدينية قبل أن يكمل عامه العشرين من أمثال الشيخ “محمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، والبهتيمي، وطه الفشني، و عبد العظيم زاهر”، واعتاد الشيخ على نصح أقرانه من القراء خاصةً القراء الجدد مشدداً على ضرورة أن يحمل القارئ مؤهلات معينة أهمها.. إجادة وإتقان حفظ القرآن بأحكامه وفهم معانيه حتى يستطيع القارئ توصيل مراد الله إلى خلقه، إلى جانب تمتعه بالأمانة والتقوى في التلاوة ومراعاة حق الله وحق كتابه.
تقدم الشيخ “محمد عطية” عام 1971 إلى الإذاعة والتليفزيون المصرى واعتمد بهما قارئاً للقرآن الكريم، وظل يقرأ بها قراءات قصيرة بالإضافة إلى قراءته في الحفلات الخارجية والمناسبات المختلفة، حتى وصل صوته إلى كل الأقطار يسمعه القريب والبعيد، وتميز بأدائه الخاشع المعبر خاصةً في قرآن الفجر عبر الأثير بصوت عذب شجي، كما تألق مع الآذان وصافح الأسماع وسلب القلوب بتلاواته العذبة مراعياً آداب التلاوة ووقارها.
سافر الشيخ “محمد عطية حسب” مُلبِّيَّاً للعديد من الدعوات التى تلقاها من جانب الدول والجاليات الإسلامية فى أقطار الدنيا لإحياء المناسبات والحفلات الدينية خاصةً فى شهر رمضان المبارك، كما كان له جمهوراً عريضاً من المستمعين والمحبين لطريقته فى التلاوة فى العديد من الدول العربية والإسلامية، خاصةً في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان لهم النصيب الأكبر في الاستماع إليه في شهر رمضان لتلقيه دعوات من حكامها بشكل متتابع.
كان الشيخ جواداً كريماً، وكان صاحب قلب مُنْكَسِر لله.. يعطف على الصغير ويحسن على الضعفاء والمساكين، وصاحب يد بيضاء على الفقراء، ومساهماً نشطاً فى جميع الأعمال الخيرية فى قريته، وكان متواضعاً حليماً، فقد اعتاد أن يجالس الناس فى أماكن عملهم وفى طرقاتهم وحقولهم.
حرص الشيخ على أن ينقل إلى أولاده ما تعلمه من والده، فهم ثلاثة أولاد وبنتين، فعمل على تحفيظهم القرآن الكريم وعلوم التجويد والقراءات والمقامات الموسيقية وقام بهذا بنفسه، حتى أصبح له ورثة من أبنائه متربعين على عرش التلاوة فى محافظات الوجه البحرى منهم الشيخ “سامح محمد عطية”، ليظل صوت الشيخ “محمد عطية حسب” والذى يحمل أنغام الخشوع والخضوع والجلال ممتداً إلى أسماع الخلق بتفرده وإخلاصه، حتى بعد أن وافته المنية يوم الأربعاء التاسع والعشرين من يونيو سنة 2011، عن عمر يناهز 75 عاماً قضاها فى ظلال القرآن الكريم، ودفن بمسقط رأسه فى قريته ميت غراب بالسنبلاوين.. رحم الله شيخنا الجليل رحمةً واسعة على ما تلاه وأمتعنا بحلاوة صوته تأثراً بعظمة كتاب الله المحكم.
![](https://almessa.gomhuriaonline.com/wp-content/uploads/2024/04/محمد-عطية-حسب-1.jpg)
![](https://almessa.gomhuriaonline.com/wp-content/uploads/2024/04/محمد-عطية-حسب-2.jpg)
![](https://almessa.gomhuriaonline.com/wp-content/uploads/2024/04/محمد-عطية-حسب-3.jpg)