»»
معين إبداع أدباء المحروسة لا ينضب ،وفي إطار تعزيز وتنمية المواهب الأدبية تنشر منصة المساء بعض المحاولات والأعمال الأدبية من قصة وشعر وزجل ،مع تقديم نقد وتقويم موضوعي لها عن طريق أحد كبار الأدباء لعموم النفع،ودعم المواهب الجديدة..
وفي هذا السطور تنشر المساء قصة “بائع الحلوي” كتبها د.سليمان عباس البياضي “عضو الجمعية التاريخية العربية “،مع قراءة انطباعية للأديب ابراهيم الديب.
🍂
بائع الحلوي ..!!
أحمد طفل مكافح ومثابر وله أبوان عاجزان مريضان، كل يوم يخرج مبكراً ليبيع الحلوي إلى تلاميذ المدرسة وعندما ينتهي يجلس تحت سور المدرسة يستمع إلى المعلمة وهي تشرح الدروس. فلاحظت المعلمة مراراً ،وتكراراً ما يفعله ذلك الطفل. وفي نهاية اليوم يذهب ؛ليشتري الطعام، والدواء إلى والديه.وفي ذات يوم ذهبت المعلمة ؛لشراء الحلوى منه وكلما اقتربت منه فر هارباً وسقط على الأرض مغشياً عليه
فقالت المعلمة: لماذا هربت؟ فقال: لقد خفت منك، فقالت له:اطمئن ،وأخذت تكفكف خوفه وأخذته من يده واشترت له الكثير من الحلوى ..فعاد أحمد مسروراً إلى بيته ،ولم ينس هذا الموقف.
وذات مرة طرحت المعلمة سؤالاً صعباً على التلاميذ فلم يجب عليها أحد، فنظرت من النافذة فإذا بأحمد يقفز على السور أنا عندي إجابة فتعجبت المعلمة و التلاميذ يضحكون فقالت له المعلمة انتبهوا أيها التلاميذ إلى إجابة أحمد فكانت اجابته صحيحة ثم أمرتهم أن يصفقوا له ثم قالت المعلمة كيف عرفت الإجابة يا أحمد فقال لها: كنت أدون كل ما تقولينه في كراسة معي قالت المعلمه: حقا ياأحمد أنت متفوق ومبدع.
ثم ذهبت إلى مدير المدرسة، وطلبت منه أن يلتحق أحمد بالمدرسة فرد عليها قائلا: سنه كبير فردت المعلمة قائلة :اطلب استثناء له إذن ونظر المدير نظرات غريبة إلي المعلمة، وإصرارها وقرر المدير أن يقبله.
وبالفعل التحق أحمد بالمدرسة وكان يأتي مبكرا ؛ليبيع الحلوي بعد ذلك يتابع دروسه في الفصل وكانت ملابسه ممزقه فأحضرت له معلمته هدية وطلبت منه ألا يفتحها إلا في بيته ثم سألته المعلمه أين تعيش يا أحمد فرد قائلا أعيش في أطراف المدينة وفوجئ في يوم من الأيام بزيارة معلمته فوجدت أحواله صعبة للغاية ووالديه مريضين وقررت مساعدته وكانت تعطف عليه وبعد فتره انقطع أحمد عن المدرسة ثم ذهبت المعلمة تسال عنه فوجدت والده قد مات وأحمد في حالة صعبة، وأقنعته أن يعود إلى دراسته مرة ثانية.
تمر الأيام ، وينتهي أحمد من المرحلة الابتدائية بتفوق ،وانتقل إلي الصف الأول الإعدادي، ودون أن يعلم أحد عنه شيئا ترك المدرسة. ثم ذهبت المعلمه تسأل عنه فوجدت أن والدته قد ماتت وقد قام صاحب السكن بطرده من السكن؛ لأنه عجز عن دفع الإيجار وذهب ؛ليعيش عند عمه ؛ولكن زوجة عمه كانت تعامله بقسوة شديدة.
وفي يوم من الأيام قامت بتمزيق كتبه ،وقام عمه بطرده من البيت فأصبح لا يجد له مأوى يأويه.
فبدأ في البحث علي عمل ،فوجد فرصة عمل في أحد المطاعم بعد فترة وجيزة انتقل إلى العمل ثم، استأجر غرفة فوق السطوح ، كتب علي جدران الغرفة كلمات تفيض حزناً “اكتب يا قلم الحياة كلها ألم” بعد ذلك عاد إلى المدرسة من جديد اجتاز المرحلة الإعدادية وواصل تعليمه في مرحلة الثانوية بنظام المنازل وكان في الأجازة يذهب إلى إحدى المكتبات يتأمل عناوين الكتب تكرر ذلك عدة مرات حتى إن صاحب المكتبة لاحظ ذلك فنادى عليه وبدأ يتعرف عليه فقال سأعيرك كتاباً كل أسبوع وبدأت بينهم صداقة ،وأصبح أحمد عاشق للقراءة بعد معاناة يلتحق بكلية الطب ،ويواصل كفاحه ويتفوق ، ويصبح أستاذاً بها متخصصاً فى قسم المخ والأعصاب وأصبح مشهوراً في المجتمع وفي يوم كان يجلس في كافتيريا المستشفى الذي يعمل فيه يتناول فنجانا من القهوة ،فإذا بسيدة عجوز ومعها بنتها المريضة تدخلان عليه الكافتيريا فأخذ ينظر إليهما ويدقق النظر، فلفت ذلك انتباه العجوز وسألت ابنتها من هذا الذي ينظر إلينا كل هذه النظرات؟ ثم اقترب من السيدة دون أن يعرفها بنفسه أنا تحت أمركم في أي مساعدة،فقالت له ابنتي تحتاج إلى عملية جراحية في المخ، كلما أتيت إلي هنا لم اجد الدكتور المختص موجودا وأنا يا بني أقطع مئات الاميال إلي المستشفي ،ثم طلب منها أوراق العملية، ثم قال لها انتظري هنا وفي أقل من ساعة. قال لها: سأجري لها العملية اليوم. وكلما نظر إليها ابتسم وبعد فترة إذا بالدكتور أحمد يقول لها لقد تمت العملية بنجاح، فنظرت إليه السيدة العجوز في دهشة،وقدمت له الشكر ،وهي تبكي. لقد بحثت عنك طويلاً ؛من أجل ابنتي المريضة ،ثم قال لها سوف تقيمي عندي مدة أسبوع في بيتي ،فاستغربت ما يفعله معها ثم قال لها :سأتابع حالة ياسمين مع طاقم التمريض وأخذهما بالسيارة إلى منزله واستقبلتهما زوجته بفرط من السعادة.
أحسنت معاملتهما وأعدت لهما غرفة خاصة وهي في حالة من الحيرة بعد ذلك أخبرها أن ابنتها بحالة جيدة بعد إجراء العملية، وكلما سألته من أنت؟ قال فاعل خير.
وبعد مضي أسبوع طلبت منه الذهاب إلى المستشفى؛ لكي تدفع مصاريفها فرد قائلا لقد تم دفع المصاريف منذ سنين فابتسمت قائلة له من أنت فرد قال :فاعل خير، ثم قال لها سأقوم بإذن الله تعالى بتوصيلكم الى منزلكم، وفي أثناء العودة أخذا يتحاوران بالسيارة وجد مجموعة من الأطفال صغار السن يبيعون الفل والياسمين، واقتربت منه طفلة صغيرة فاشترى كل ما معها ولاحظت السيدة العجوز أنه أعطاها مبلغاً كبيراً من المال فسألته لماذا ؟.
فرد قائلا: هذا يذكرني بالماضي الذي تجرعته لقد ذقت فيه طعم الحنظل، ولكن هؤلاء الأطفال ضحية مجتمع يجب عليه مراعاة هؤلاء الأطفال الصغار، وعادت مع ابنتها إلى منزلهما و أخذ الدكتور أحمد رقم هاتفها وكان يسأل عليهما باستمرار؛ لكي يطمئن على حالة ياسمين ثم تماثلت للشفاء ،وكان الدكتور أحمد دائما يتواصل معهما وفي يوم من الأيام تواصل مع السيدة العجوز وقال لها : بإذن الله سوف تذهبي الى رحله الحج هذا العام فقالت له : وهي في قمة الذهول تكاليف الرحلة باهظة، ولا أستطيع أن أدبرها لك فقال لها: هذه هي هدية مني لك ، ثم طلب منها أن ترسل له أوراقها من أجل أن تؤدي مناسك الحج
فقالت له: من أنت فرد وهو يبتسم انا فاعل خير فقالت له :لن أقبل طلبك إلا إذا أجبتني على السؤال فرد قائلا: أنا ماضيك الجميل، أنا بائع الحلوى. فقالت: من بائع الحلوى؟ فقال لها: الذي ساعدتيه في يوم من الأيام فردت في ذهول قالت له: أنت أحمد فرد قائلا لها: نعم وأنا لم أنس فضلك علي بعد الله “فيقول النبي صلى الله عليه وسلم من صنع لكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فاستغفروا له” ،فمهما عاش الإنسان حينا من الدهر لن ينسى من قدم له معروفا،هكذا أبناء الأصول ،حتي وإن طغت عليه الحياة.
🍂
قراءة انطباعية لقصة بائع الحلوى
بقلم : ✍️ إبراهيم الديب
( أديب وروائي)
القصة فكرتها جيدة ولكنها تفتقر في بنيتها لبعض عناصر وخصائص القصة القصيرة فلم يلقي كاتبها الضوء بصورة كافية على الطفل أحمد بائع الحلوى أو طبيب المستقبل وعلى حياة المدرسة فلم نعرف فلم نقف على خلفيتها الاجتماعية أثناء السرد وهذا خلل في العرض ،فالأحداث متلاحقة، والد أحمد ووالدته يموتون بسرعة مذهلة كما تمرض ياسمين ابنة المدرسة بمرض خطير وهو تخصص الدكتور أحمد ،الأحداث بها قفزات غير منطقية وغير مبررة ،ولا تنمو نموا طبيعياً فجأة أصبح أحمد طبيباً شهيرا فلم نقرأ من خلال سرد الأحداث معاناته وكم قاسى وكم ضحى حتى يصل لما آل إليه بعد أن انتزع لنفسه مكانا على الأرض يضع قدمه عليه وأصبح من نجوم المجتمع ليتخطى بهذه المكانة العلمية طبقته المهمشة ليرتقي سلم المجد الاجتماعي، كنا نتمنى قراءة أثر لهذه التحولات الخطيرة، على نفسه وإحساسه وشعورة أو حتى الإشارة لها لو من بعيد
فكل تركيز الكاتب هو أن يصل للعبرة والدرس والعظة المباشرة وهى الفكرة الأساسية التي قامت عليها قصته المغزى وبدلالتها الاجتماعية وبفكرتها المفعمة بالإنسانية حتى لو لم تكن هذه الأحداث حقيقية أبطالها من الواقع يمثلون أشخاصا من لحم ودم، حتى لو افترضنا أنها أفكار ذهنية وظفها الكاتب لمناقشة فكرة العطاء والرحمة بالنفوس الضعيفة وهي في لحظات الأنين والانهيار لتجد من ينتشلها فكانت المدرسة أراد الكتاب مناقشتها فلسفيا فكانت المدرسة تمثل في مقابل العطاء الإنساني الذي يصدر عن نفسها بعفوية وتلقائية بلا حدود ودون مقابل، ولأن لا شئء يضيع في قانون الوجود فيحفظ لها أحمد الجميل في عنقه لتنتهي القصة برد جميلها مضاعف والتي أجاد الكاتب السرد في هذه المنطقة فعلى ما شاب القصة من نقص في بنيتها الفنية ولكن فكرتها وصلت للقارئ واضحة تماماً بأن كل ما نشاهده في من أحداث مجرد عرض زائل لا نستطيع أن نبني عليه ، لأن غني الامس هو بعينه فقير اليوم ، وقوي الأمس ضعيف اليوم،و عزيز الماضي ذليل الحاضر ،كل من نشاهده أعراض زائلة لا يمكن البناء عليها أما قانون الحياة وقانونها الحقيقي هو أن من يفعل خيراً ويلقيه بحرا، فلابد أن تقذفه إليه الأمواج لشاطئه مجدداً ،وهو ما قامت به المدرسة مع بائع الحلوى أو طفل الماضي وطبيب المستقبل الذي ادخره القدر لعلاج ابنتها استمعت بالقصة التي هي أقرب لكتابة التقريرية المباشرة ولكن الكاتب يملك ادوات الكتابة وعنده الاستطاعة لتطويرها حتى تتمتع قصصه ببنية فنية مستوفية الشروط..