كتبها- وليد شاهين
أطلق عليه محبيه “كروان الدقهلية والقارئ العالم”.. وتأثر بقراءة الشيخ “حمدى الزامل”
أراد أن يصبح مغنياً فزجره مُعلِّمَهُ ونصحه بتعلم التلاوة حتى أصبح من المشاهير
هو من مشاهير قراء القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، ممن قرؤوا القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.. جمع بين الحسنيين “جمال الصوت والتزامه الشديد بأحكام التلاوة وتجويده المتقن”.. وصفه محبوه بعدة صفات من بينها “العالم القارئ وكروان الدقهلية”.. فكان متواضعاً عفيف اللسان.. قوامه الأخلاق.. وتأدب بآداب القرآن.. رحيماً حليماً إذا غضب.. اقتفى أثر ونهج تلاوته قراء العصر الحديث.
ولد القارئ الشيخ محمد عبد الوهَّاب الطنطاوى، يوم الجمعة 3 أكتوبر 1947، بقرية النسيمية مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، دفعه والده وهو ابن السابعة من عمره إلى أحد محفظي القرآن الكريم فى كتاتيب القرية وهو الشيخ “صبحى محمود محمد”، فأتم حفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من العمر، وكانت هذه هي أمنية والده, الذي وهب هذا الابن للقرآن ولذلك أسماه محمداً.
بعد حصوله على الشهادة الابتدائية بتفوق عام 1959 ألحقه والده بالمعهد الديني الأزهرى بالمنصورة ليتلقى العلوم الدينية ليكون من رجال الأزهر الشريف، ولأنه من حَفَظَة القرآن حفظاً جيداً؛ استطاع أن يستوعب المنهج الدراسي بسهولة واقتدار فاهتم به شيوخه والمدرسون اهتماماً مشهوداً، دون زملائه، لأنه يتمتع بمواهب متعددة.
كان للطالب “محمد عبد الوهاب الطنطاوى” رغبةً فى أن يصبح فناناً مغنياً تميل مع صوته أفئدة الناس نغماً وطرباً.. فسمعه مدرس الأدب والبلاغة بالمعهد ذات مرة وهو يغنى لأم كلثوم بصوت جميل، فغضب المدرس منه وزجره وقال له: “صوتك وحش” -يريدُ أن يرده عن الغناء- وما هى إلا لحظات حتى استدرك حديثه وقال له: “يابنى.. لقد وهبك الله حفظ كتابه وصوتاً ملائكى.. فلا تستغله إلا فيما يرضى الله.. وعليك بتلاوة القرآن الكريم”، سُرْعَان ما ستجاب لمعلمه وظهرت لديه رغبة قوية في تلاوة القرآن بصوت عذب جميل، فكان يقرأ القرآن فى الطابور الصباحى للمعهد، ويقدم الابتهالات والمدائح النبوية والقصائد الدينية، حتى حصل على الثانوية الأزهرية عام 1970، ثم التحق بكلية أصول الدين قسم الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر وتخرج فيها، وعمل واعظاً بالأوقاف بمدينة المنصورة فور تخرجه لمدة عشرة أعوام.
قرأ الشيخ “محمد عبد الوهَّاب الطنطاوى” القرآن وهو شاباً فى النوادى وبين زملائه وفى المناسبات، وبدأ الناس يطلبونه لأحياء مناسباتهم، حتى ذاع صيته داخل محافظة الدقهلية والمحافظات المجاورة، وأطلق عليه مُرِيديه “كروان الدقهلية” و “القارئ العالم”.. تأثر الشيخ “الطنطاوى” بطريقة وأداء أقطاب القراء فى مصر والعالم من بينهم المشايخ “مصطفى إسماعيل، والمنشاوى، وعبد العزيز حصان، والبهتيمى، وغلوش، وحمدى الزامل” حتى اعتاد على تقليد الأخير فى طريقة القراءة، وكان يتتبعه فى حفلاته وأمسياته القرآنية لينهل من معينه العذب ويتعلم منه عن قرب كيفية التعامل مع القرآن الكريم باستخدام المقامات الصوتية.
التحق الشيخ بإذاعة وسط الدلتا كقارئ عام 1985 بعدها بعام واحد نصحه الشيخ رزق خليل حبة بأن يتقدم لاختبارات الاعتماد بالإذاعة المصرية، وبالفعل تقدم وتم اعتماده بها، بدأ قارئاً بإذاعات قصيرة لمدة لا تتعدى ستة أشهر بعدها اعتمد قارئاً للإذاعات الطويلة والخارجية نظراً لكفاءته وجماهيريته وإمكاناته التي أشاد بها كل من استمع إليه، وكانت أول أمسية تنقل له عبر أثير إذاعة القرآن الكريم قرأها فى الإسكندرية.
طاف الشيخ “الطنطاوى” الكثير من دول العالم لتلاوة القرآن الكريم على الجاليات المسلمة في شهر رمضان المبارك، حيث سافر إلى كثير من الدول العربية والإسلامية والأجنبية على مدى عشر سنوات متتالية لم يدخر جهداً في الذهاب إلى المسلمين أينما كانوا، فقرأ القرآن بمعظم المراكز الإسلامية في كثير من دول العالم، حيث ابتعثته وزارة الأوقاف قارئاً إلى دولة كينيا لمدة شهر، ولما علموا أنه واعظاً بالأزهر والأوقاف طلبوا منه إلقاء خطب الجمعة والدروس أثناء فترة إقامته هناك.
كما سافر إلى هولندا أكثر من مرة وقرأ بالمركز الإسلامي هناك بين حشود وجماهير غفيرة من أبناء الجاليات الإسلامية من شتى بقاع الدنيا، وقرأ القرآن بالمركز الإسلامي بواشنطن ولوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية, كما سافر إلى كندا والبرازيل والأرجنتين النمسا وألمانيا واليابان ودول الخليج العربي.
امتاز الشيخ “الطنطاوي” بشدة التزامه في التلاوة من حيث الأحكام والتجويد بالإضافة إلى الأداء المتميز الفريد الذي أهله لأن يكون ضمن أجود عشرة قراء على الساحة فى زمانه.
توفي الشيخ “محمد عبد الوهَّاب الطنطاوي” يوم الأربعاء 3 ذو القعدة 1438 هـ الموافق 26 يوليو 2017 عن عمر يناهز السبعين عاما، وشيعت الجموع الغفيرة جنازته في مسقط رأسه بقرية النسيمية، ودفن فى قبرٍ أعد له خصيصاً فى ساحة بيته.. رحم الله الشيخ الجليل وأسكنه فسيح جناته.