كتبها- وليد شاهين
لقبه “عبد المطلب” بملك الفجر.. وحاصرت الشرطة منزله لإحياء عزاء “عبدالناصر”
كان أول من قرأ القرآن على الضفة الشرقية من القناة بعد عودة سيناء
حمله مستمعوه على الأعناق حتى سيارته.. وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة
هو من تلك النخبة الذكية التى توارثت جمال الصوت وروعة الأداء والإحساس الصادق لما يتلوه من كلام الله.. لقب بأكثر من لقب فمنهم من لقبه بـ “ملك الفجر” و”نجم الأمسيات الدينية” و”صوت السماء”.. يتميز فى قراءته أنه بجانب صوته القوى المتمكن ذو النبرات السريعة والحساسة وذو النهاية الرائعة أنه كان يتلو القرآن الكريم وهو على علم تام ودراية كاملة بمعانيه.. فكان يعطى لكل آية النغمة السليمة التى تناسب معناها والتى تساعد المستمع على فهم معانى القرآن الكريم.
وُلِدَ الشيخ “شعبان عبد العزيز إسماعيل الصياد” يوم الجمعة 20 سبتمبر 1940 بقرية صراوة التابعة لمركز آشمون بمحافظة المنوفية، تميزت قريته بكثرة الكتاتيب والمحفظين.
نشأ الشيخ “شعبان” فى منزل ريفى متواضع عن أم ريفية وأب مقرئاً للقرآن، كان يتمتع بصوت ملائكياً، وكان يدعى إلى السهرات والمناسبات وذاع صيته، وقدم نفسه إلى الإذاعة المصرية وفى اليوم الذى تم فيه قبوله كان هو نفسه يوم وفاته سنة 1944، ورث الصبى “شعبان” مسلك والده، حيث كان يتردد بإنتظام على كُتَّاب الشيخة “زينب” بقريته، حتى أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً وهو فى السابعة من عمره.
التحق بالمعهد الدينى الإبتدائى وأثناء دراسته بالمعهد كان أساتذته يعلمون بموهبته الصوتية، فذاع صيته بينهم، وأتم المرحلة الابتدائية، فبدأ يظهر فى المناسبات العامة المختلفة فى مدينة منوف والقرى المجاورة لها، حتى أتم دراسته الثانوية والتحق بكلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.
وكان يجمع بين الدراسة التى كان متفوقا فيها وبين دعواته إلى المناسبات المختلفة، وذاع صيته وسمع به مشاهير القراء فى ذلك الوقت وفى إحدى الليالى كان الشيخ “شعبان” عائداً من مناسبة كان يتلو فيها كتاب الله، وعاد إلى صحن الأزهر الشريف حيث كان يستعد لإمتحان فى الكلية وذلك فى اليوم التالى لهذه السهرة، وعند عودته مباشرة بدأ فى الاستذكار وغلبه النوم، وفى هذه الأثناء كان الشيخ مصطفى إسماعيل فى الجامع الأزهر لصلاة الفجر وإذا به يرى الشيخ “شعبان” وهو نائم وفى يده كتابه، فقال لمن معه: “انظروا وتمعنوا فى هذا الشاب النائم أمامكم فإن له مستقبل عظيم فى دنيا تلاوة القرآن الكريم”.
أتم الشيخ تعليمه الجامعى وحصل على الليسانس بدرجة جيد جداً عام 1966 ورشح للعمل بالسلك الجامعى كمحاضر بالكلية ولكنه رفض وكان رفضه من أجل التفرغ لتلاوة القرآن الكريم؛ فعمل مدرساً بالمعاهد الدينية، ثم موجهاً فى علوم القرآن ثم رقى إلى موجه أول حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة بوزارة الأوقاف.
أنطلق الشيخ “الصياد” فى إحياء المناسبات المختلفة وذاع صيته فى جميع محافظات الجمهورية، وفى عام 1969 وجد الشيخ سيارات الشرطة تحاصر منزله وقد تجمع الجيران لمتابعة الموقف.. تقدم الشيخ والخوف والريبة ترتسم على وجهه لكى يسأل أحد الضباط عما يدور فى منزل الشيخ شعبان – وكان الضابط لا يعرفه- فأخبره بأن لديهم أوامر من رئاسة الجمهورية بإحضار الشيخ “شعبان الصياد” لإحياء ثلاثة ليالى بمحافظة بورسعيد وكان ذلك لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر.
اتسعت شهرة الشيخ “الصياد” فتقدم للامتحان بالإذاعة والتليفزيون المصرى، وتم اعتماده كقارئ للقرآن الكريم، ولجمال وعذوبة صوته وتمكنه من التلاوة جعل لجان الإذاعة والتليفزيون يجيزون دخوله مباشرة للإذاعة فى البرنامج العام وجميع الإذاعات المحلية، وأسند إليه بعد قبوله بعدة أيام تلاوة قرآن الجمعة على الهواء مباشرةً.
كان من بين أشد المعجبين للشيخ؛ المطرب الشعبى “محمد عبد المطلب” وكان يتتبع الشيخ “الصياد” فى الكثير من حفلاته، وفى أحد الأيام وفى صلاة الفجر فى مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، قابل الشيخ وعبر له عن مدى حبه الجارف له، ولقبه بـ “ملك الفجر” حتى ظل هذا اللقب ملازماً للشيخ “شعبان الصياد” حتى وفاته.
اختير الشيخ “شعبان” كأول قارئ يتلو آيات الله فى مسجد القنطرة شرق على الضفة الشرقية لقناة السويس فى حضور الرئيس الراحل أنور السادات وذلك بعد عودة سيناء إلى مصر من أيدى الاحتلال الصهيونى، وقد أثنى “السادات” على أدائه وعانقه وأجزل له العطاء تقديراً لجمال تلاوته وعذوبة صوته، حتى مرت الأيام وشارك فى إحياء عزاء “السادات”.
أحيا الشيخ “شعبان الصياد” عدداً هائلاً من السهرات الرمضانية والمناسبات القرآنية فى العديد من دول العالم العربية والإسلامية والأجنبية، وكانت أول دعوة له فى شهر رمضان بعد دخوله الإذاعة مباشرة كانت إلى دولة الكويت وتلى آيات الله فى معظم مساجدها وأشهرها، وكانت دولة “إيران” من بين الدول التى عشق جمهورها قراءة الشيخ “الصياد”، واعتاد مستمعوه أن يحملوه على الأعناق بعد انتهاء القراءة وصولاً إلى السيارة المخصصة لنقله إلى مكان إقامته.
حصل الشيخ على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية من معظم الدول التى دعى إليها لإحياء ليالى شهر رمضان المبارك وكان آخرها سلطنة بروناى.
أصيب الشيخ “شعبان عبد العزيز الصياد” بالفشل الكلوى سنة 1994، ورغم مرضه ظل يقرأ ويرتل ويصدح بآي الذكر الحكيم حتى أقعده المرض.. وفاضت روحه إلى بارئها فجر السبت أول أيام عيد الفطر المبارك عام 1419هـ الموافق 19 يناير 1998 عن عمر يناهز الثامنة والخمسين عاماً.. ودفن فى مقابر الأسرة بقريته.. رحم الله شيخنا الجليل رحمة واسعة.