بإسم الحريات كاد الوطن أن يضيع، وتحت نفس اللافتة يدس الغرب أنفه في شئوننا بين الحين والآخر، وتحت شعار الحريات نستورد ونقلد كل غريب وعجيب خاصة إذا كان يتعارض مع قيمنا وثقافتنا وأخلاقنا التي ورثناها عن الآباء والأجداد.
“الحرية” كلمة مطاطة يستخدمها البعض عند اللزوم لتمرير بعض الأمور التي لايجب أن تمر أو تكون مباحة ومتاحة في بلد له تقاليده التي ظلت لقرون طويلة حائط صد متين استعصى على جميع الأفكار الوافدة، لتصبح بمثابة مرجعية أو معيار لقياس العيب والمباح.
بالتأكيد لاخلاف على مبدأ الحرية بشكل مجرد إذا لم تحتمل أي لبس فلقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً كما ورد على لسان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنها وردد المقولة من بعده الأحرار في كل الأزمان والعصور، لكنها الحرية الحقيقية التي لاتتعارض مع مايدعو اليه الدين ومصالح الوطن والقيم النبيلة.
كل مجتمع حتى المجتمعات الأوروبية والغربية بشكل عام التي نعشق الإستنساخ منها والنقل عنها والعيش في جلبابها لها قيمها وثوابتها الخاصة التي لاتسمح بالخروج عليها تحت أي ظرف، فهم يفرقون بين الحرية ولإبداع من ناحية والخلاعة والإبتذال من ناحية أخرى، وهو فارق كبير وواضخ ومعروف لمن يبحثون عن المعاني الحقيقية للكلمات دون خداع أو تدليس.
***
زمان وتحديداً في مرحلة السبعينيات كانت هناك موجة ــ او هوجة ــ تسمى أفلام المقاولات وتروج للعري والخلاعة، ورغم أنها كانت تستهوي وتجذب عدداً من الشباب في مرحلة المراهقة إلا أنها مع ذلك تحظى برفض مجتمعي، بل أن الشباب كانوا يشاهدونها سراً بعيداً عن أعين ــ ورقابة ــ الأسرة، ولم يخرج أحد من هؤلاء الشباب ليتحدث عن حرية الإبداع أو حق كل ممثل أو ممثلة في أن يفعل مايحلوا له دون حساب لرد الفعل المجتمعي، لدرجة أن الفنانين المشاركين في تلك الأعمال كانت تلاحقهم نظرات الإشمئزاز باعتبارهم قدموا شيئاً مشيناً.
القصة الآن صارت مختلفة في زمن الإنترنت وظهور أفلام مقاولات مختلفة بإنتاج أكبر وبنسبة مشاهدة أوسع، حيث تتولى الأمر شركات عالمية لديها القدرة والإمكانيات لنشر أفكارها على أوسع نطاق والهدف مادي بحت اللهم إلا اذا كانت هناك أهداف أخرى أكبر وأهم من المال فهذا أمر لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.
الفارق الجوهري الحقيقي بين جيل السبعينيات وماقبلها وبعدها وبين الجيل الحالي أن هناك ولو عدد محدود يتعاطف مع هذه النوعية فهي من وجهة نظرهم حرية شخصة، وأن الفنان عليه أن يؤدي دوره بإتقان بصرف النظر عن المضمون، وهي نظرة تؤكد أن هؤلاء تعرضوا لما يشبة غسيل المخ وأصبحوا مستعدين للدفاع عن “الخلاعة” أياً كان مصدرها حتى لايتم إتهامهم بالرجعية أو “التخلف” مثلما يصف دعاة الحرية خصومهم أو المختلفين معهم!!!
أحدهم قال بالنص إن العالم قد صعد القمر وتفوق بصورة كبيرة في مجال البحث العلمي ونحن مازالنا نعترض على فيلم ــ مجرد فيلم ــ وهذا “في تصوري” المدخل “الشيطاني” لتمرير أي شيء ــ وكل شيء ــ حتى نعتاد على سماعه ومشاهدته ويتحول مجتمعنا الى نسخة هابطة ومشوهة بلا تقاليد أو قيم.
والحقيقة أننا لن نتقدم في البحث العلمي أو غيره ولن نصعد القمر أو حتى الدور النهائي في بطولة لكرة القدم، إلا بتمسكنا بأخلاقنا والدفاع عنها في مواجهة هجمات التغريب والإنحاط.
***
أحرص على متابعة تعليقات الشباب على السوشيال ميديا في أعقاب أي ضجة تحدث بعد عرض فيلم من تلك النوعية المثيرة للجدل لقياس مدى رضا أو غضب المتابعين خاصة من تلك المرحلة العمرية المهمة لأنهم الأبناء الذين سيحملون الراية قريباً جداً.
لا أتوقف أو أتأثر كثيراً بأراء وتعليقات “أبناء الكار” من الفنانين ومن يسيرون في فلكهم لأنها مجروحة كما يقولون، فمن الصعب والنادر أن تجد بينهم من يتحدث بتجرد وحياد، فهو ــ أو هي ــ إما تجامل زميلة أو تخشى من حدوث مقارنات مع أعمالها “الهابطة” فتؤثر السلامة وتتحدث عن حرية الإبداع عملاً بالمثل القائل “اللي بيته من زجاج لايقذف الناس بالطوب”، والنموذج الثالث يعاني من الغيرة الفنية التي تجعله ينتقد بلا مبرر مثلما حدث مع فيلم “ريش”.
لن أتناول أو أتوقف أمام رد الفعل الغاضب على فيلم “أصحاب ولا أعز” الذي أحدث ضجة كبرى مؤخراً وحالة الهجوم الكبير عليه وعلى بطلته الفنانة “منى زكي” حتى وصل الأمر لانتقاد زوجها النجم “أحمد حلمي”، فهذا في تصوري أمر بديهي ومنطقي ويتماشى مع تربيتنا وأخلاقنا الرافضة لهذا المجون حتى لو سقط البعض في براثنه فهو مرض نسأل الله لهم العافية.
الذي لفت نظري أن هناك من يتحدث عن الفيلم بإعتباره يناقش قضية واقعية رغم أنه منقول حرفياً من فيلم أجنبي وتلك حقيقة معروفة للقاصي والداني، وحتى لو وجدت هذه النماذج في المجتمع ــ أي مجتمع ــ فهي حالات فردية لايمكن تعميمها أو الحديث عنها على أنها ظاهرة تستدعي أن نقول أنه فيلم واقعي!!!
تلك الموضوعات التي تنخر في ثوابت وقيم المجتمع ليست إبداعاً ولكنها فيروس مدمر يستدعي التصدي له حتى لو مارس البعض إرهاباً من نوعية أن من يعترضون أو يختلفون معهم هم المتخلفون دعاة الرجعية.
أيمن عبد الجواد