ألف باء إعلام أن تغطي القضية موضوع النقاش من كافة الجوانب ومختلف الأراء، ولاتكتفي بمن يؤيدون أو يدعمون وجهة نظرك ككاتب أو مقدم برامج، فهذا يعد بمثابة تدليس ولايقدم الحقيقة بصورة موضوعية للقراء أو المشاهدين.
هذا الأمر معلوم لجميع ــ أو معظم ــ الإعلاميين ونغرسه في الطلاب والصحفيين الشباب منذ دخولهم المجال، فلا يليق ــ أو يجوز ــ أن تتناول فئة أو مؤسسة بشيء من النقد دون أن تستمع الى ممثليها ليعبروا عن رأيهم ورأي الجهة التي ينتمون إليها.. هذا من الناحية المهنية البحتة بعيداً عن القناعات الشخصية أو القضية موضوع النقاش.
وإذا كان الإلتزام مطلوباً ومهماً في جميع الموضوعات والأوقات فإنه الآن أكثر أهمية في زمن السوشيال ميديا حيث تنتشر الأمور الخلافية انتشار النار في الهشيم وخلال لحظات معدودة تصبح “تريند” وهو مايوضح خطورة وأهمية الكلمة في المرحلة الراهنة لأن الإنتشار بات أوسع والتأثير أشد.
فما بالك اذا كان الأمر يتعلق بالدين بكل مايحمله من قيمة روحية وأهمية عظمى لايسبقها شيء في حياة الناس، فإن الإحتياطات يجب أن تكون أكبر والإلتزام بالقواعد المهنية أشد والحرص على كل كلمة أوجب حتى لاندخل في جدل نحن في غنى عنه.
***
كنت أظن وبعض الظن اثم أن الإعلاميين الكبار من أصحاب الشهرة والمال والنفوذ لديهم اسم يدافعون عنه ومتابعين يحرصون عليهم عبر تقديم مادة إعلامية متكاملة وليست مبتورة ومعيبة من الناحية المهنية، وأنهم لن يسقطوا في هوة السباق نحو “التريند” حتى في القضايا الشائكة شديدة الحساسية.
لن أتحدث عن القيم والأخلاقيات والأسس التي يتم عليها اختيار الموضوع من الأساس وأن هناك خطوطاً حمراء يجب عدم المساس بها أو التجاوز فيها، ليس لأن أشخاصها فوق النقد ولكن لأن إثارة موضوعات بعينها قد تحدث شروخاً صعب علاجها وبلبلة في غير مكانها أو وقتها.
وبدون شك تأتي الموضوعات المتعلقة بالدين في مقدمة تلك القضايا التي يجب تناولها بحرص شديد، فليس من مصلحة أحد أن تلقي حجراً في البئر دون حساب للعواقب، خاصة إذا كان مقدم البرنامج ينحاز لوجهة نظر معينة تتعارض مع مؤسسة الأزهر المرجعية الأولى في الأمور الدينية.
وليس من المنطقي أن تأتي بضيف غير متخصص ومعروف معاداته للأزهر بل والرموز الدينية والتراث كله ويعلن ذلك جهاراً نهاراً وبكل فخر وفي كل موقف تتاح له الفرصة لذلك، بينما تقوم أنت “المذيع” أيضاً بتبني وجهة النظر ذاتها دون أن تأتي بممثل للمؤسسة التي تهاجمها إلا اذا كنت تعتقد أنك أكثر فهماً في العلوم الشرعية من مؤسسة الأزهر بعلمائها المتخصصين في كل الفروع أو أن هناك حاجة في نفس يعقوب.
القضية ليست شخصية مع فلان أو علان، فمن مساويء ــ أو كوارث ــ الفضائيات أنها لاتلتزم بأي قواعد أو معايير أو “أكواد” إعلامية، وأصبح من العادي والطبيعي أن تناقش قضية ما دون حضور ممثلين عن أصحاب الشأن مثلما حدث في قضية “ضرب الزوجات” التي أحدثت ضجة وأخذاً ورداً، رغم أنه كان يمكن إغلاق الملف منذ اللحظة الأولى لو أننا إلتزمنا بالمعايير الإعلامية المنضبطة وأحضرنا ضيفاً من الأزهر يوضح حقيقة الفيديو المنسوب الى فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، والذي تم اجتزاؤه بصورة تتعارض مع رأي الأزهر والإمام نفسه.
***
شيخ الأزهر ذكر بوضوح شديد ودون أي لبس في تصريحات قديمة أنه يتمنى أن يأتي اليوم الذي يتم فيه تجريم ضرب الزوجات وهو كلام كفيل أن يفند جميع المزاعم، لو أرهق فريق الإعداد الخاص بالإعلامي الجهبذ نفسه ــ أو أراد ــ لتظهر الحقيقة واضحة جلية بدلاً من الهجوم لمجرد الهجوم استناداً الى معلومات غير حقيقية.
وإذا كان هذا الخطأ أو التجاوز ــ المهني والأخلاقي ــ يمكن التغاضي عنه في الأمور العادية التي يتم التطرق إليها بشكل دائم واتهام هذا والإساءة الى ذاك دون ضابط أو رابط، فإن الأمر يصبح مختلفاً عندما يتعلق بالدين ورموزه حماية للسلام الإجتماعي.
من البديهي والمعروف أن الدين شأنه شأن أي تخصص كالطب والهندسة وغيرهما به أمور شديدة التخصص لايستطيع تفسيرها بصورة صحيحة وعلى الوجه الأمثل إلا العلماء وليس من الحكمة طرحها على عامة الناس بلا توضيح أو تفسير.
ومن هذه الأمور مسألة “ضرب الزوجات”، فالأصل أن الإسلام كرم المرأة وآخر وصية للنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وقبل انتقاله الى الرفيق الأعلى “استوصوا بالنساء خيراً” والأدلة في هذا السياق أكثر من أن تحصى، ويكفينا سلوك النبي فقد كان في مهنة أهله وقال “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
الأمر واضح وضوح الشمس فما الهدف من إدخال المجتمع في جدل عقيم أو بالأحرى التقليل من مقام ومكانة الأزهر وتصدير صورة غير حقيقية عنه وعن شيخه، بينما القضية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم علمية بحتة وتمثل استثناء، بل ويجوز تقيدها من الحاكم مثلما ذكر شيخ الأهر اذا وجد أن هناك استغلالاً خاطئاً للآية.
اتركوا التفاصيل والمسائل العلمية المعقدة للعلماء وتمسكوا بالقواعد الأصيلة الراسخة والمتمثلة في حسن العشرة والمعاملة الطيبة فهذا مادعانا اليه الدين وأوصانا به النبي صلى الله عليه وسلم وطبقه مع زوجاته.
أيمن عبد الجواد
[email protected]