قال تعالى: ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “
ومن مظاهر تكريم رب العزة للإنسان أن اجتمعت الملائكة لاستقباله ، وأمرهم الله بالسجود لهذا الكائن العظيم فسجدوا .
قال تعالى :” ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين “
ومن مناط التكريم العقل ، والذى كلف بسببه الإنسان ، إذ إنه المخلوق الوحيد الذى فضله رب العزة عن سائر المخلوقات بالعقل ، فهو من أعظم نعم الله على الإنسان ذلك العقل المعجزة ، والذى تمثلت فيه أنفع وأروع وأسمى القوى الفطرية التى أودعها الله سبحانه وتعالى فيه ،فجاء الإنسان للكون عاقلا، وصوره ربه فى أحسن صورة ، ولقد سما به القرآن الكريم ووضعه فى منزلة رفيعة ويتضح ذلك من النظر والتمعن فى آيات القرآن الكريم قال تعالى :
“خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير “
وقوله : ” يأيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ماشاء ركبك “
فالله خلقه فى أحسن صورة وركبه وأعطاه عقلا يميز به ، بل سخر له الكون
قال تعالى ” وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار “
وقوله : “وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون “
بهذا التسخير وهذا التميز جعله الله سيد الكون وخليفته فى أرضه , وبصره بشرعه فقد أضحى سيد المخلوقات بما أودع الله سبحانه فيه من الخصائص ، وبما تكرم عليه من المزايا حتى أصبح مهيئا لاستقبال الخطاب وصاحب مهمة وتكليف حينما أرسل الرسل مبشرين ومنذرين .
وقد منحه هذه الميزة العقل والذى زاده العلم والتأمل ومنحه قلبا يشعر به وزاده الخيال وأعطاه جسدا للعمل والسعى وزاده الطعام باعتدال ، حتى لا يحجب الروح التى تسمو لخالقها وتعرج إليه فلا جسد يثقلها ولا قلب يشغلها ولاعقل يعطلها ، بل العقل يعينها فيرتقى بارتقائها ، ولهذا تختلف مكانة الإنسان بحسب اهتمامه ، فمكانته ترتبط ارتباطا طرديا بموضع اهتمامه بجسده وقوفا على الأرض بدءا من القدم وصعودا إلى الرأس ، فلو كان اهتمامه منصبا على قدميه لحاز مكانة لا تعدو هذا الموضع ، وإذا صعدنا إلى موطن العفة فانشغل به متبذلا ومحقرا لهذا الموضع كانت له المكانة الحقيرة التى تتفق وموضع اهتمامه ، واصعد إلى البطن وهى خزانة الطعام ووعاء الشهوة فلو انشغل بها فلن يخلده التاريخ ويهمله كما أهمل الأكلة ولم يخلد أشعب إلا من باب السخرية ونرقى حتى نصل إلى القلب هذه القبضة التى بها يحيز الرجل مكانة عظيمة فى قومه , فالمرؤ بأصغريه قلبه ولسانه. وإذا فاق شاعر فى قبيلته ونبغ احتفلت القبيلة به وامتلكت أعظم جهاز توثيق وإعلام آنذاك وخلدت ذكرى الشاعر والقبيلة فقد قال الحطيئة فى بنى أنف الناقة :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا ؟
وتغير حال القبيلة حينما غير الشاعر اتجاه الناس وفهمه للأنف ، فأصبحت القبيلة تعتز بهذا الاسم بعدما كانت تشعر بالمهانة .
ويقول الشيرازى :
بكت عينى غداة البين دمعا وأخرى بالبكا بخلت علينا
فعاقبت التى بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا
ولو حلقنا فى هذا العالم الذى يجهله صاحبه أحيانا وتمسكنا بكتاب الله فى قوله :
” وفى أنفسكم أفلا تبصرون ” لوصلنا إلى القمة حيث القلال التى تظل شامخة تصد السيول العاتية وتظل شامخة ، ذلك هو العقل الذى يقطن أعلى الجسد وكلما زاد اهتمام الإنسان به كلما زاد ارتقاء ، لا فى الدنيا وحدها بل فى الدارين
قال تعالى : “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير “