بقلم: محمد عبد العزيز الشملول
إمام وخطيب مسجد البديع
فى الدين الإسلامي ثوابت ممنوع المساس بها ، أوإنكارها لأنها معلومة من الدين بالضرورة،ومن هذه الثوابت “معجزة الإسراء والمعراج”.
وهي من القضايا التى احتد النقاش حولها منذ حدوثها إلى يومنا هذا، حيث أنكرها الكفار قديما ، وورث هذا الإنكار بنو ملتهم من دعاة الشبه ومثيري الفتن المأجورين ، حتى سرت العدوى إلى البرامج والشاشات ،وادعوا أنها قصة أسطورية خرافية ،وأنها لم ترد فى القرآن!!
ولو اعتبرنا أن هذه الدعوى شبهة ، فهي شبهة متهافتة لاتنهض ، لأنها مبنية على منهجية غير موضوعية، ولها أبعاد أخر ، ومن هذه الأبعاد أن السنة ليست حجة بذاتها مطلقا وهذا اعتقاد فاسد يرده القرآن وقواعد الدين ومنطق العقل.
أما رد القرآن له ، فهو بشهادته بصدق النبي_صلى الله عليه وسلم_ مطلقا، وتزكيته لخبره سواء بالقرآن أو بالسنة ، قال سبحانه {ماكذب الفؤاد ما رأى }[النجم:١١].وهذه التزكية هي لخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- فى قصة الإسراء والمعراج ، وقال عنه أيضاً :{يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله مافى السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما}[النساء:١٧].وهذه تزكية شاملة لكل أخباره التي يخبر بها .
قال الإمام الطبري:- الأية تخاطب الناس بجميع أصنافهم مشركي العرب وسائر أصناف الكفر {قد جاءكم الرسول بالحق} أي قد جاءكم محمد بالإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ديناً، يقول {فآمنوا خيراً لكم} أي إن التصديق به خير لكم فى حياتكم ودنياكم وأموالكم وأبدانكم ، يقول {وإن تكفروا } وإن تجحدوا رسالته وتكذبوا بها،فإن جحودكم شر لكم ولن يضر غيركم،ومكروه ذلك عائد عليكم.
أما الرد من ناحية العقل:-
فإن إمكان الكذب فى السنة وارد على مستوى الإسناد لأنه لايوجد مايمنع من إمكان كذب الراوي عقلا أو خطئه ، وكذلك على مستوى المتن ، فالراوي إذا كذب فإنه يمكن أن يضع المتن على الرسول-صلى الله عليه وسلم_ وينسبه إليه ، فلم يبقى إلا عدالة الراوي ، وعدالة الراوي شاملة لما روى سواء كان كتاب أو سنة ، فوجب قبول روايته وصدقه ، فالعدول الذين رووا السنة من الصحابة وخيار التابعين ورجال الحديث هم الذين أخذ عنهم القرآن ، فالطعن فى السنة طعن فى القرآن ، والمجوز للكذب فى السنة إما أن يكون مجوزا له فى حق رسول الله_صلى الله عليه وسلم_فهذا كفر!!!
وإذا جوزه عليه فى أخباره فما الذي يمنع من أن يكون النبي _صلى الله عليه وسلم_قد نسب للقرآن ماليس منه ؟!
وإما أن يجوزه على الرواة العدول من الصحابة رضوان الله عليهم ،فكما كذبوا فى السنة -بزعمه- فما الذي يمنع أن يدخلوا فى القرآن ماليس فيه فلا يمكن اتصال السند إلا عن طريقهم !!!
ومن ناحية أخرى :-فإن معجزة الإسراء والمعراج مع ذلك مذكورة فى القرآن الكريم بأهم تفاصيلها ،وخصوصا ماهو مستغرب عند الماديين ،ووجود تفاصيل لها فى السنة لا إشكال فيه ؛ لأنه لم يتعارض مع القرآن ، أما القصة بأصلها والجانب المهم منها فهي مذكورة ، فقد وردت آيات من القرآن تتحدث عنها ، وتنفي عن النبي-صلى الله عليه وسلم_ إمكانية عدم الضبط لهذه المعجزة العظيمة ، وتذكر ذلك فى مقام النعمة والتعظيم للنبي _صلى الله عليه وسلم_ .
وقبل ذكر الآيات المتحدثة عن الإسراء ننبه هؤلاء إلى نقطة مهمة ، وهي أن طريقة القرآن فى القصص والأخبار ذكرها فى كل موضع بحسب ما يناسب ، وعليه فإن قصة الإسراء كسائر القصص القرآني لم تجمع فى موضع واحد من القرآن ، وانما فرقت على آيات متعددة من سور القرآن الكريم ،يذكر فى كل سورة ما يناسب المقام .
فقد افتتح الله عز وجل سورة الإسراء بإشارة إلى هذه المعجزة ، فقال سبحانه:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}[الإسراء:١].
ولفظة (أسرى) فى اللغة تطلق على سير الليل، فلايمكن حملها فى اللغة على غير ذلك.
وهذه الإشارة من القرآن إلى الإسراء والتصريح بوقوعه نقلها النقلة بالتواتر ، قال ابن عطية رحمه الله :”ووقع الإسراء فى جميع مصنفات الحديث ،وروي عن الصحابة فى أقطار الإسلام ، فهو من المتواتر بهذا الوجه ، فروى جمهور الصحابة وتلقى جل اللعلماء أن الإسراء كان بشخصه _صلى الله عليه وسلم_ ومما يؤيد أن هذا السرى كان بالجسم لا بالروح مايلي:
أولاً: استنكار قريش له ؛ إذ الرؤيا المنامية لايمكن أن يستنكرها عاقل .
ثانياً: لو كان مناما لقال الله: بروح عبده،ولم يقل بعبده ،وقوله تعالى: { مازاغ البصر وماطغى} يدل على ذلك .
ثالثاً: لو كان مناما لما كان فيه أي آية أو معجزة ، ولما قالت له أم هانئ : لاتحدث الناس فيكذبوك ، ولا فضل أبو بكر بالتصديق ،ولما أمكن قريش التشنيع والتكذيب ، وقد كذبته قريش فيما أخبر به .
ومن الآيات التي تحدثت عن معجزة الإسراء والمعراج بل وردت على منكري هذه المعجزة ، آيات سورة النجم.
قال سبحانه:{والنجم إذا هوى(١) ما ضل صاحبكم وما غوى (٢) وما ينطق عن الهوى (٣) إن هو إلا وحي يوحى (٤) علمه شديد القوى (٥) ذو مرة فاستوى (٦) وهو بالأفق الأعلى (٧) ثم دنا فتدلى (٨) فكان قاب قوسين أو أدنى (٩) فأوحى إلى عبده ما أوحى(١٠) ماكذب الفؤاد ما رأى (١١) أفتمارونه على مايرى (١٢) ولقد رأه نزلة أخرى (١٣) عند سدرة المنتهى (١٤) عندها جنة المأوى (١٥) إذ يغشى السدرة مايغشى (١٦)مازاغ البصر وما طغى (١٧) لقد رأى من آيات ربه الكبرى}[النجم:١٨].
قال ابن جزي:{ مازاغ البصر وماطغى} أي مازاغ بصر سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- عما رأه من عجائب بل أثبتها وتيقنها.{ وماطغى} أي ما تجاوز مارأى إلى غيره.{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} يعني مارأى ليلة الإسراء من السماوات والجنة والنار والملائكة والأنبياء وغير ذلك.
فالآيات التي مضت معضدة للأحاديث التي حدث بها رسول الله_صلى الله عليه وسلم_فى قصة الإسراء ، وقد نفت عنه الزيغ وعدم الضبط ،وأكدت على ما رأى من الآيات العظيمة وكلها متعلقة بقصة الإسراء والمعراج التي هي محل الذكر ،ولو فرضنا أن السنة خالفت القرآن فليس هذا موجبا لتركها، فكيف وقد أكدته وقوته ؟!!!
ومن هنا يتضح كذب من قال بأنها لم تذكر فى القرآن ،بل هي مذكورة ، مؤكدة على نحو ما ورد فى السنة ، ومن ادعى غير ذلك فالحجة لا تنصره بل ترد عليه وتبطل دعواه.