لسوهاج ،بالنسبة لى على الأقل ،سحر لايقاوم، أحب هذه البلاد ومن عليها،من الصعب وربما من المستحيل، أن أرفض تلبية دعوة لزيارتها والتجول في شوارعها وحاراتها، في بريها الشرقى والغربي، والجلوس على مقاهيها، والأئتناس بدفء ناسها ومحبتهم،والالتقاء بأصدقاء أعزاء من الأدباء وغيرهم، ربطتنى بهم علاقات محبة منذ ثلاثين عاما على الأقل
إلى سوهاج ذهبت لحضور المؤتمر الأدبى الحادي والعشرين لإقليم وسط الصعيد الثقافى، الذى شرفت بأن أكون ضيف شرفه،وعدت محملًا بمزيد من البهجة والفرح،ذلك أننى زرت سوهاج والتقيت بناسها واستعدت ذكرياتي فيها،وشاركت في فعاليات مؤتمرها الذي جاء على غير مثال، بما تضمنه من أحداث مهمة تم تنظيمها على أفضل وجه.
ربما تكون المرة الأولى في تاريخ المؤتمرات الأدبية الإقليمية،في حدود معلوماتى، التي تعقد فيها الفعاليات وسط الناس ، وتذهب إليهم في قراهم البعيدة، هكذا فعلها المؤتمر، وهو مايحسب لمنظميه، وعلى رأسهم الصديق ضياء مكاوى الذي استهل رئاسته للإقليم بهذه الفعالية الناجحة، وبذل جهدا كبيرا فى إخراجها، مع أمانة المؤتمر، في أفضل صورة.
المؤتمر عقد فى الفترة من 2إلى 4 مارس الجاري،وافتتحه اللواء طارق الفقي محافظ سوهاج، والدكتور مصطفى عبدالخالق رئيس جامعة سوهاج،والشاعر والباحث مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية نائبا عن الفنان هشام عطوة رئيس هيئة قصور الثقافة، وضياء مكاوى رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافى، ورأسه الشاعر سعد عبدالرحمن ، وتولى أمانته العامة الدكتور مصطفى رجب، رئيس المؤتمر وأمينه العام قيمتان كبيرتان ومن أبناء سوهاج،وهذا كان مؤشرا منذ البداية على دورة مختلفة وناجحة.
حفل الافتتاح، الذي جرت وقائعه فى جامعة سوهاج وأداره الشاعر أوفى الأنور، حضرة جلال أبو الدهب مدير الفرع الثقافى بسوهاج ، وعشرات من أدباء ومثقفى محافظات الإقليم: سوهاج وألمنيا وأسيوط والوادى الجديد، وجرى خلاله تكريم ابن سوهاج الدكتور محمود الربيعى، وكذلك الدكتور حافظ المغربى استاذ البلاغة والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة إلمنيا.
اختار المؤتمر ” الانفتاح الثقافى وأثره فى الهوية” عنوانا له، وبعيدا عن الأبحاث التى ناقشت هذا العنوان، فقد تجسد العنوان فعليا على أرض الواقع بخروجه من بين جدران قصور الثقافة إلى عدد من القرى والمدن، وأتيح لى حضور إحدى الفعاليات فى مضيفة آل تركس بقرية مزاتة والشيخ جبر التابعة لمدينة جرجا، وكنت متخوفا من عدم تفاعل الجمهور ،الذى ملأ المضيفة، مع أبحاث متخصصة وأمسية شعرية وعرض للإنشاد الدينى، أو على الأقل عدم تفاعله مع الجلسة البحثية المتخصصة، لكن المفاجأة أنه تفاعل مع الفعاليات كافة وبنفس الحماس والاهتمام.
قلت عقب انتهاء الفاعلية بعد منتصف الليل: هذا هو دور قصور الثقافة الحقيقى ، أن تنزل إلى الناس وتتواصل معهم فى أماكنهم، نعم هى تفعل ذلك، لكنها ربما تكون المرة الأولى التى تنزل فيها بفعاليات مؤتمر أدبى متخصص تعودنا أن يعقد بين جدران قصور الثقافة ويقتصر حضوره على الأدباء دون غيرهم.
كما تذكرت الكلمة التى ألقاها محافظ سوهاج اللواء طارق الفقى فى حفل الافتتاح حيث قال” إن الدولة تحارب الإرهابيين، أما محاربة الإرهاب فهى مسئولية الأدباء والمثقفين”، وقد سعدت جدا أن يكون هذا مفهومه لدور الثقافة، وسعدت أكثر عندما علمت باهتمامه ودعمه للعمل الثقافى فى محافظته، وتمنيت أن تسرى هذه الروح بين المحافظين كافة، صحيح أن بعضهم يهتم بدعم العمل الثقافى، لكن البعض الآخر لايعير هذا الأمر أي اهتمام ، ويعتبر دعم العمل الثقافى نوعا من الترف أو إهدارا للمال العام.
وغير قرية مزاته التى تعاون فى إقامتها عدد من مثقفى القرية، منهم الدكتور عيسي حسانى عيسى،والدكتور قاو دردير عبدالجواد والدكتور وائل فؤاد إسماعيل،فقد تحركت فعاليات المؤتمر إلى أكثر من مكان، تحركت إلى شطورة، وطهطا، وجهينة، فضلا عن قصر ثقافة سوهاج، وهذا أمر يحسب للمؤتمر ومنظمية، حيث اتسعت الفائدة، وشعر مواطنو سوهاج بأن هناك مؤتمرا مهما تستضيفه محافظتهم العريقة.
بدأ اليوم الأول عقب حفل الافتتاح في قصر ثقافة طهطا حيث عقدت الجلسة الأولى بعنوان” الأنا والآخر.. الهوية والحوار” أدارها الشاعر علاء عبدالسميع، وشارك فيها د. عماد حسيب، والروائى فراج فتح الله، ود. حنان أبو القاسم، اعقبتها جلسة شهادات إبداعية أدارها الشاعر محمد فاروق وشارك فيها الشاعران ماهر مهران وجمال أبو سمرة، ثم أمسية شعرية أدارها الشاعر أحمد الليثى، وعرض لفرقة الفنون الشعبية بسوهاج،وفى نفس التوقيت عقدت الجلسة الثانية بشطورة تحت عنوان ” استدعاء التراث الشفاهي فى ضوء متغيرات العصر”، أدارها الشاعر أشرف أيوب معوض، وشارك فيها د. أسماء عبدالرحمن، والباحث حسين عبدالمنعم عبدالله، تلتها أمسية قصصية وشعرية أدارها الشاعر بهاء الدين رمضان، واختتمت الليلة بعرض لفرقة الآلات الشعبية بسوهاج.
فعاليات اليوم الثانى للمؤتمر تضمنت لقاء شعريا فى قصر ثقافة المراغة أداره الأديب شريف جاد الله، وعرضا لفرقة الإنشاد الدينى،وندوة قصصية فى قصر ثقافة سوهاج أدارها الأديب محمد عبدالمطلب، وفى المساء استضاف قصر ثقافة جهينة الجلسة الثالثة بعنوان” الموروث الثقافى.. الواقع والمأمول” أدارها د. محمود فراج وشارك فيها د. سعيد أحمد أبوضيف، ود. رجب أحمد عبدالرحيم، والباحث عماد القضاوى، اعقبها أمسية شعرية أدارها الشاعر خالد أبو النور قطيبى، أما فعاليات جرجا فقد تضمنت الجلسة البحثية الرابعة تحت عنوان” خصوصية المكان وتشكيل الهوية في إبداع أدباء الإقليم” أدارها الأديب عبدالحافظ بخيت، وشارك فيها د. زينب فؤاد عبدالكريم، والأديب محمود رمضان رمضان الطهطاوى، والباحث شعبان المنفلوطى، اعقبها أمسية شعرية أدارها الشاعر أوفى الأنور، ثم عرض فرقة الإنشاد الدينى ،وفى اليوم الثالث والأخير شهد قصر ثقافة سوهاج وقائع الختام وإعلان التوصيات التى أكدت على الموقف الثابت لأدباء مصر برفض أشكال التطبيع كافة مع العدو الصهيونى، وطالبت بتزويد قصر ثقافة طهطا بنسخة من مخطوطات رفاعة الطهطاوى التى كانت موجودة بالقصر وتم ارسالها إلى دار الكتب، وطالبوا كذلك بسرعة إحلال وتجديد قصر ثقافة سوهاج، وغيرها من التوصيات المهمة.
تمنيت أن يكون الفنان هشام عطوة رئيس هيئة قصور الثقافة حاضرا ليرى هذا العمل المهم،وينفى عن نفسه تهمة الانحياز للمسرح على حساب الأدب،أعرف أنه مثلى يحب الأدب والمسرح، ولكن عليه أن يترجم هذا الحب إلى ممارسة عملية، كما فعلت ، فأنا أقطع نفسي بينهما وأحقق سعادة مزدوجة، أما هو فقد خسر جزءا من السعادة، وإن كنت أعلم أنه كان ينوى الحضور فعلا لولا وجوده في بنى سويف لحضور حفل تخرج مشروع ابدأ حلمك.. حقق الله أحلامنا جميعا.